للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكرَرَ طلبُكم في هذا التواترِ الذي يزيلُ الشك ويقطعُ الخلافَ، وليس هذا من أصول الدينِ بشيءٍ، إذ لو كان (١) مما لا يثبتُ إلا بالأدلةِ القطعية، لما سوَّغ الفقهاءُ لإجماعهم الخلافَ فيه، كما لم يسوغوه في أصول الديانات، ولكفّروا مخالفَهم أو فسَّقوه، كما اعتمدوا في أصولِ الديانات.

فصل

في شبههم

فمنها: أن قالوا: إنَ هذه الألفاظَ والصيغَ تردُ والمرادُ بها الكُلّ، وتردُ والمرادُ بها البعضُ، فإذا جاءت مطلَقة بغيرِ دلالةٍ ترجحها، ولا قرينةٍ تقرنها إلى أحدِ الأمرين، بقيت على التردُّدِ؛ فلا تقتضي أمراً معيَّناً؛ فوجبَ الوقفُ، فإنَّ حَمْلَها على أحدِ محمليها بغير دلالةٍ حَزْرٌ وتَخْمين. وبمثلِ هذا لا تثبت الأحكامُ، ولا تُشغلُ الذِّمَم، وما صارت إلا بمثابة الأسماءِ المشتركَة، مثل: جَون، ولَون، وقرء، وعَين، وشَفق، لا يحملُ على أحدِ محتملاته: البياضِ أو الحمرةِ، أو الطهر أو الدَّمِ، إلا بدلالةٍ، ولا مذهبَ في ذلكَ قبل ورودِ الدلالةِ أو مُصاحَبةِ القرينةِ إلا الوقفُ، كذلك ها هنا.

فيقال: ليسَ إذا حصلَ الاستعمالُ فيهما يمنعُ من كونِ الإطلاق ينصرف إلى أحدِهما، لكونه حقيقةً فيه دونَ الآخرِ، كالبحرِ، والحمارِ، والجوادِ والشُّجاعِ، فيستعملُ في غيرِ الماءِ الكثيرِ والرجلِ العالمِ أو الكريمِ، والحمارِ في النَّهَّاق والرجلِ البليدِ، والشجاع في الحيَّة والرجل المقُدِم على الحرب، وصيغُ (٢) العمومِ تُستعملُ في البعضِ مجازاً، بدليلٍ، وتنصرفُ إلى الأصولِ الموضوعةِ لها والاستغراقِ والشمولِ.

والجوابُ عن المشتركِ: أنه لم يوضع لأحدِ تلكَ الأشياءِ بعينه، والكل، والجميعُ،


(١) في الأصل: "كانت".
(٢) في الأصل: "صيغ".

<<  <  ج: ص:  >  >>