للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم أماتَ في أثناءِ صلاةٍ لم يُسلَّم منها، وحَجَّةٍ لم يُتَحلَّلْ منها، ولم يكن ذلك مانعاً من التكليفِ من غيرِ تقدمةِ إشعارٍ به، كذلك ها هنا.

فصلٌ

ويجوزُ أَنْ يرفعَ اللهُ سبحانه التكليفَ رأساً لا بطريقِ النسخِ، مثل إعدامِ العقلِ في حق المجنونِ، فيَسقُطُ الخِطابُ رأساً، هذا مما لا خلافَ فيه.

وأما رفعُ ذلكَ بالنسخِ، فلا يصحُّ، بل يستحيلُ عندَ الجماعةِ، لأن المعرفةَ بالله لا يمكنُ (١) نسخُها نهياً عنها، لأن النسخ مبنيٌّ على إثباتِ ناهٍ تجبُ طاعتُهُ، بالامتناعِ مما نَهى عنْهُ، فإذا قالَ للمكلفِ: لا تعرفني، فقد نهيتُك عن معرفَتِي، فإثباتُه ناهياً يُحيل في حق المنهيِّ عنْ أنْ يَخْرُجَ عن كونِه به عارفاً، فهذا بالنسخ لا يمكنُ (١) ولا يدخلُ تحتَ القدرةِ شاهداً وغائباً.

وأمَّا نسخُ جميعِ العباداتِ ما عدا المعرفة على أصلِ أصحابنا وجماعةِ أصحاب الحديثِ، [فجائزٌ] خلافاً للقدرية في قولِهم: العباداتُ مصالحُ، ولا يجوزُ أن تُرفعَ المصالحُ مع وجوبِها عندَهم.

وهذا يُبنى على أصْلين: إمَّا أنْ يكونَ البارىءُ فاعلاً ما شاءَ على الإطلاقِ، فلا ينبغي وجوبُ تكليفٍ، كما لا يجب عليه إرسال الرسل رأساً عند أصحابنا، وإن فعلَ ذلكَ فعلَه تفضلاً.

وإنْ قلنا بالمصالحِ، فلا يمتنعُ أنْ يكونَ الأصلحُ: أنْ لا يكلفهم؛


(١) في الأصل: "يكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>