للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

يجمعُ الدلائلَ على مذهبِنا

والدلالةُ على أنه يقتضي الإِباحةَ والإطلاقَ دون الوجوب، أن النهيَ والحظرَ الذي تقدّم كان مانِعاً من الفعل، وبين الحظر والإيجاب مراتب ثلاثة: الإطلاقُ، ثم الندبُ، ثم الِإباحةُ، ثم الِإيجابُ، فإذا قال السيدُ لعبده، أو المطاعُ في الجملة لمطيعهِ ومن هو دونهُ: لا تدخلِ الدارَ، ثم قال له: ادخلْ. لم يجزْ أنْ نُسْقِطَ درجتين، الِإطلاقَ والندبَ، ثم نرتقي إلى الإيجاب إلا بدلالةٍ، لأن الأقربَ إلى هذه اللفظةِ بعد المنعِ الِإطلاقُ فيما كَان مَنَعهُ عنه والتخليةُ مما كان قيَّده به. ولهذا يحسُنُ أنْ يُقال: أذِنَ له بعد المنعِ، وأطلقَهُ بعدَ الحظرِ، ولا يُقال في حالِ الابتداءِ ذلك، ولا يَحسُنُ أن يقالَ لمن قال لعبدهِ ابتداءً: افعل، أنه مطلقٌ، بل هو مُقيّدٌ بالأمرِ، مستدعىً منه إيجادُ ما أمر به.

ويدل على ذلك أيضاً أن كُلَّ أمرٍ بعد حظرٍ في القرآن على الإباحةِ، فيجب أن يُحملَ على ما وَرَدَ به القرآنُ، والدلالةُ على هذه الدعوى قولُه سبحانه: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ...} [المائدة: ٩٥]

إلى قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢]، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ...} [الجمعة: ٩] إلى قوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]، وقوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>