للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في أدلتنا

فمنها: أن الاستثناءَ من لغةِ العرب، وقد استهجنوا واستقبحوا ما طال من الكلامِ لغيرِ حاجةٍ، واسْتَحسنوا الاختصار وهو تَقليل الكلامِ الجامعِ لكثيرِ المعاني، وهو من أحدِ طرقِ إعجازِ القراَن، فهذا في الجملةِ، وإذا جاء التفصيل كان أشدَّ تقبيحاً واستهجاناً، كقولِ القائل وهو يريدُ الإخبارَ بأنَه رأى رجلاً أن يقول: رأيتُ ألفَ رجل إلا تسع مئةٍ وتسعة وتسعين رجلاً. وقوله: وهو يريد الإقرارَ لرجلٍ بدرهم: له على ألف درهم إلا تسع مئة وتسعةً وتسعين درهماً. وما دخل في خبرِ الاستقباحِ منهم لم يكنْ مستعملاً؛ لأنَّ القومَ عقلاءُ حكماءُ، امتازوا من الخلقِ باللسانِ وحسنِ البيان، فلا يخصَّون استعمالَهم إلا بالأحسن، فإذا رأيناهم استقبحوا كلاماً واستهجنوه، علِمنا أنَّه ليس من وضعهم.

والدلالة على دعوانا استقباحهم ذلك: ما ذكره أبوإسحاق الزّجّاج في كتابِ "المعاني"، لما تكلَّمَ على قوبهِ: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] ولم يأت في كلام العرب إلا القليلُ من الكثير (١).

وقال أبوالفتح ابن جِنّي (٢): لو قال قائلْ. هذه مئة إلا تسعين. ما كان متكلماً بالعربية، وكان كلامُه عِيَّا ولُكْنةً.


(١) "معاني القرآن"٤/ ١٦٣.
(٢) هو أبوالفتح عثمان بن جني الموصلي، من أعلام العربية وأئمتها، لزمَ أبا علي الفارسي دهراً، وسافرَ معه، حتى برعَ وصنَّف، وسكنَ بغداد، وتخرجَ به الكبار, وقرأ على المتنبى "ديوانه" وشرحه، من مصنفاته "سر الصناعة" و"التصريف" و"الخصائص"، توفي سنة (٣٩٢ هـ).
"تاريخ بغداد" ١١/ ٣١١، ٣١٢، و"إنباه الرواة "٢/ ٣٣٥ - ٣٤٠ و"سير أعلام النبلاء" ١٧/ ١٧ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>