للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في أدلّتنا

أنَّهما لفظانِ، عامٌّ وخاصٌّ، يمكن استعمالُهما، فلا يسقطان.

أو نقول: فوجَب استعمالهُما وبناءُ أحدِهما على الآخر كالآيتين، وذلكَ مثل قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٣٩]، وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: ٩٢ - ٩٣] قال ابن عباس: يُسألونَ في موضعٍ، ولا يُسألونَ في موضع (١)، يعني بذلكَ اختلافَ المقاماتِ، فإنَّ القيامةَ ذاتُ مقاماتٍ مختلفةٍ.

ومنها: أنَّهما دليلانِ يمكنُ بناءُ أحدِهما على الآخرِ, فوجبَ استعمالُهما، أو نقول: فلا يجوزُ إسقاطهما.

دليلُه: عمومُ خبرِ الواحِد، إذا وردَ مخالفاً لدليل العقل (٢).

فإن قيل: أدلةُ العقل لا تحتملُ التأويلَ، ولا يدخلُها الاستعارةُ، بل كُلُّها حقائقُ مبنيّةٌ على التحقيق، والظاهرُ يحتملُ التأويلَ فَرُتب، وفي مسألتِنا، تأويلُ كل واحدٍ من اللفظينِ كتأويل الآخرِ, فلم يكن أحدُهما أولى من الآخر.

قيل: هذا يبطلُ بالآيتين، فإنَّهما تستعملانِ، وإن كان تأويلُ إحداهما كتأويلِ الأخرى. فإن قيل: الآيتانِ كأدلَّةِ العقلِ في القطعِ، فلذلكَ لم يمكن إسقاطُهما.


(١) الذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}، قوله: لا يَسألهم: هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقولُ لهم: لِمَ عملتم كذا وكذا؟
"تفسير الطبري" ٨/ ٦٧، و"تفسير ابن كثير"٤/ ٤٦٩.
(٢) "شرح اللمع" ١/ ٣٧٦، و"التبصرة": ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>