قال: وهكذا حُكِيَ عن عيسى بن أَبانَ: أنَّه كان يقول: لابُدَّ من مطلوبٍ هو أَشْبَهُ الأَشْياءِ بالحادثةِ، إلا أَنَّ المجتهدَ لا يُكلفُ إِصابتَه، وإنما تَعَبَّدَهُ الله أَنْ يَحكُمَ فيها بحكمِ الأَصلِ الذي هو أَشبهُ به في غالبِ ظَنِّه.
ونحوَ هذا حَكَى أَبو عبد الله الجُرْجانِيُّ، وفَسَّرَ الأَشْبهَ: بأَنَّ شَبَهَ الحادثةِ ببعضِ الأصول أَقربُ عندَ اللهِ تعالي، وأَنه لو أَنْزَل ذلك الحكمَ، لكان يُنزِلُه بأَحدِ الوَجْهَينِ.
وذَهَبَتِ المُعتزِلةُ وأَبو علي الجُبَّائِيُّ في إِحدى الرِّوايتينِ (١ عنه، وأَبو هاشمٍ: إلى أنَّه ليس هناك أَشبه مطلوب أَكثر من أَنَّ الحُكمَ بما هو أَوْلى عندَه أَن يَحكُمَ به.
وقال أَبو بكر بنُ البَاقِلانيِّ: لأَبي الحسنِ الأَشْعَرِيِّ في ذلك قولان ١). واختارَ هو: أَنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ، وأَنَّ فرْضَ كلِّ واحدٍ ما يَغلِبُ على ظَنِّه، ويُؤَدِّيه إِليهِ اجتهادُه، وليس هناك أَشْبَهُ مطلوبٍ.
فصل
في ذكر الدَّلاِئل على أَنَّ الحقَّ في واحدٍ من جهةِ الكتابِ والسُّنَّةِ
من ذَلك: قولَه تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ
(١ - ١) خرم في الأصل، واستدركناه من "العدة" ٥/ ١٥٤٩، و"التبصرة" (٤٩٩).