للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الاحتجاجِ في المختلَفِ فيه

اعلم أن للعلوم مراتبَ وقَعَتْ مواقعَها لأعيانِها، فليس يجوزُ لذلك تغييرُها.

فمنها: أصل ليس بفرعٍ، نحو علمِ الحِسِّ (١).

ومنها: أصلٌ وفرعٌ، نحو العلمِ بالمحدَثِ.

وإنما كان علمُ الحِسِّ أصلًا؛ لأنك تَبْني عليه وتَستخرِجُ به، فيكونُ أصلًا لما أَثبَتَه عليه واستخرجتَه به، فلم يَجُزْ اُن يكونَ فرعاً؛ لأنه لم يُبْنَ على غيرِه، وليس قبلَه شيء استُخرِجَ به.

فأمَّا العلمُ بالمحدَثِ: فكل (٢) شيءٍ بَنَيْتَ عليه شيئاً، فهو أصلٌ لما ابتَنَيْتَ عليه، مثلُ إحالتِك وبنائِك على علم الحسِّ، واستخراجِكَ له به، وكلُّ شيءٍ بُنيَ على غيرِه فهوفرعٌ له، وليس يُمْكِنُ أن يقعَ الفرعُ موقعَ أصلِه، ولا يجوزُ أن ينتقلَ الأصلُ إلى موضع فرعِه، حتى يكونَ العلمُ بأن الشيءَ محدَثٌ قبلَ العلمِ بأنه حادثٌ، وأصلًا له، والعلمُ بأنه محدَث قبلَ العلمِ بأن له محدِثاً، ولا يمكنُ أيضاً أن يكونَ العلمُ بأنه حادث والعلمُ بأنه محدَثٌ بعد العلمِ بأن له محدِثاً، ولا يمكُن أيضاً أن يكون العلمُ بأنه حادث قبلَ العلم بأنه موجودٌ، ولو جازَ هذا، لجازَ أن يكونَ علمُ الاستدلالِ قبل علومِ الحِسِّ، وأصلاً لها.


(١) وهو ما يدرك بطريق الحواس، وقد تقدم الكلام عليه في الصفحة (٢٠).
(٢) في الأصل: "وكل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>