للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ إلى العربِ، وهم أهلُ صناعةِ الكلامِ، وجُعلَ عجزُهُم عن مثلِه حجةً على غيرهم، كما جُعلَ عجزُ السَّحرةِ عمَّا جاءَ به موسى عليه السلام حجةً على غيرِهم من بني إسرائيل.

جوابٌ آخر عن قولهم. إنَّا قد وجدنا ذلك.

وهو أنَّ المحقِّقين من أهلِ اللغةِ قالوا: إنَّ هذه كلمات تواطأت، فسارت، فكانت في العربيةِ كهي (١) في غيرها من اللغات، مثل تَنُّور، بكل لغةٍ تنورٌ، وتواطأ (٢) لسان العربِ والفرس في (سجِّيل) و (إستبرق)، والنبطِ والعربِ في (طه)، وأنَّه الرجَلُ، فلا يكون خروجاً عن العربية، بل مساواةً لغيرها، وأما (الأبُّ): فما خَفي على عُمر لأنَّه ليس من العربية، لكنْ لأنَّ من العربيةِ ما يُجهلُ عند قومٍ، ويُعرفُ عندَ غيرِهم، ولهذا رُويَ عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أدري ما معنى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: ١٤]، حتى سمعت امرأةً من العرب تقول: أنا فطرته، فعلمت أنه أراد: منشىءَ (٣). وإلاَّ، فالأبُّ في اللغةِ: الحشيشُ (٤).

على أنَّ العربيةَ قد وافقت غيرَها في أشياءَ، كقولِ الفُرس: سروال، مكانَ قولِ العرب: سراويل، وتقولُ في السماءِ: أسمان، والكلُّ قالوا: صابون، وتَنُّور، فما اختلف فيها لغتان.


(١) في الأصل: "فهي".
(٢) في الأصل: "فواطأ".
(٣) تقدم في ٢/ ٤١٩.
(٤) قال الزجاج: الأب: جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية."اللسان": (أب).

<<  <  ج: ص:  >  >>