ومنها: أنَّ الإنسانَ لو قال لوكيله: تصدّق من مالي. فتصدّقَ بالقليلِ، كان بحكمِ الأمرِ، وإن تصدّقَ بالكثير فكذلك، وما ذاكَ إلا لأنَ الكثيرَ والقليلَ يتساويانِ في وقوعِ اسم الصدقةِ عليهما.
فصل
في الأجوبةِ عن ذلك
أمَّا دعواهم أن آخره كأوَّله، غيرُ صحيح؛ لأن آخرَه امتازَ عن أوله بالحكمِ المخصوصِ، وهو التخييرُ بين فعلهِ وتركهِ، وبسُقوطِ المأثم على تركه، والأولَ اختص بخصيصةِ الواجب من حيثُ العقابُ على تركهِ وانحتامُ فِعلِه، فتميزه بالمعنى يربي (١) على شمولِ الاسمِ ووقوعه عليه.
وأمَّا الوكيلُ، فلا نُسلِّم، بل إذا أطلقَ له الصدقةَ وقعَ على أيسرِ يسير، ولأنه هو المتحققُ من ذلك، وما زادَ يحتاجُ إلى دلالةٍ وتصريحٍ، ولو سُلِّم؛ فإنَ العادةَ فيما بيننا أنه لو أرادَ المقدارَ ذكره، ولو أرادَ البعضَ لَخَصَّصَهُ، فلمَّا لمْ يُقدَّر دلَّ على أنه وَكَلَهُ إلى اختيارِ الوكيلِ، فكانت العادةُ هي الموجبةَ لتعميمِ الصدقةِ، وليس بيننا وبين الله سبحانه عُرف، فكان الواجبُ هو ما يقع عليه الاسمُ دونَ ما لا تَتحقق فيه الشركةُ للواجب.
فصل
إذا ورد الأمرُ بهيئةٍ في فعل، ودل الدليلُ على كون الهيئةِ مسنونةً أو مستحبةً مندوبةً، لا يَخرج المأمور بايقاعِ الهيئةِ فيه عن كونه واجباً.
مثالُه: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صَبِرَة: "وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكونَ