ومنها: أن النطقَ العام شملَ الأعيانَ لفظاً ونطقاً، وفعلُه يحتملُ أن يكونَ مخصوصاً به ومخصوصاً له، ويجوزُ أنْ يكونَ هو وغيرُه فيه سواءً، فلا يُتركُ العمومُ المتيقَّنُ بأمرٍ محتملٍ، فأكثرُ ما يعطي فعلُه خروجُه هو من حكم العموم، فأمَّا خروجُنا نحن، فلا. نَتبيَّنُ بذلك أنَهُ مَخْصوصٌ من جملة العمومِ، إذا كان العمومُ يشملُ المكلفين.
فصل
في الأجوبةِ
أمَّا الأول، فيُحتَمَل أن نقول: إنَّ النسخَ بفعلِه جائزٌ، فقد ذهبَ إليه بعضُ العلماءِ، واختاره بعضُ أصحابِ الشافعي.
ولو سلَمنا، فإنَّ النسخَ يخالف التخصيصَ؛ لأنَّه يجوزُ التخصيصُ للكتاب بالقياس والسُّنَّةِ، وإن لم يَجُز النَّسخُ بهما؛ لأن النسخ رفع للحكمَ رأساً، والتخصيص بيان للمرادِ باللفظِ العام.
وأمَّا الثاني، ودعوى احتمالِه، فصحيح، لكن الأظهرُ من المُحْتمَلَينِ مساواتُه لأمَّتِه في ذلك، وأنه لا يفعلُ ذلك بعد نهيه خاصاً إلاَّ ويُبيِّنُ تخصيصَه بذلك، وإلا كانَ تلبيساً، وموقعاً للأُمَّةِ في شك؛ في بقاءِ الأول على عمومهِ، أو تخصيصِه.