للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ بعض أصحابِ أبي حنيفةَ فيما حكاهُ السَّرخسيُّ- أعني أبا سفيانَ-: أَنهُ إذا كانَ قولاً ظهرَ وانتشرَ، ولم ينكرْهُ منكرٌ، جازَ للمجتهدِ الأخذ بِهِ، واختاره. وحكيَ عَنْ بعضِ المتكلِّمينَ: إنْ كانَ ذلكَ قبلَ وقوع الفُرقةِ بينَهمْ وانتشارِهمْ في الأمصارِ، جازَ للمجتهدِ الأخذ بِهِ مِنْ غيرِ دليلٍ، وإنْ كانَ بعدَ الانتشارِ والفرقةِ لم يجزِ الأخذُ به إلاّ أَنْ يدلَّ دليل على صحَّتِهِ (١).

فصل

في دلاِئلنا

فمنها: أَنَّ الصَّحابةَ إذا اختلفوا، فقد سوَّغوا الاجتهاد لمن خالفهم، ومَنْ خالف فإنما سوَّغوا لَهُ ذلكَ لأجلِ اجتهادِهِ واتباع الدليلِ، فلا يجوزُ لمَنْ بعدَهمْ أنْ يسوغَ له القولُ بغيرِ دليلٍ، ففي ذلكَ تقليدٌ وتعطيلٌ للاجتهادِ.

ومنْها: أنَّ هذا القائلَ قدْ منعَ الأخذَ بقولِ إحدى (٢) الطائفتينِ إذا جرى بينَ الطَّائفتينِ إنكارٌ.

فنقولُ: إنهما قولانِ للصَّحابةِ، فلا يجوزُ للمجتهدِ تقليدُ أحدِهما، كما لوْ أنكرتْ إحدى الطائفتين على الأُخرى، وأنكرتْ الأُخرى عليها،


(١) انظر "أصول السرخسى" ٢/ ١١٣.
(٢) في الأصل: "أحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>