للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ويجوزُ إثباتُ كلَّ حكم شرعي طريقُه الظنُّ بالقياس، سواء كانَ كفارةً أو حدَّاً أو مُقدراً من المقدرات (١).

ومنع أصحابُ أبي حنيفة من إثبات ذلك بالقياس (٢)، واستدلوا في ذلك بأن الحدود شُرعت ردعاً، وذلك لا يدرك بالقياس، وكذلك الكفارات لإسقاط المآثم.

وربما قالوا: إن القياس هو رد الفرع إلى أشبه الأصلين به، والشبَه الآخر شُبهة فيه، والحدود تَسقط بالشبهة بل لا تجب مع نوع شُبهة.

وهذا لا يصح؛ لأن ذلكَ حكم شرعي ثبتَ بخبر الواحد فثبت بالقياس، كسائر الأحكام. يوضح ذلك: أن سائر الأحكام ألطاف ومَصالح، وكما لا يَعلم مقادير الأجرام ومقابلاتها إلا الله، ينبغي أن لا يُعلم مقدار مصالح الأدميين وألطافهم بالأراء والقياس، وما اعتل نُفاةُ القياس إلا بهذا في سائرِ أحكام الشرع، ولو جاز أن لا يثبت حَد ولا كَفارة لما ذكروا من كون الشبه الآخر الذي لا تَشهد به شُبهة، لكان الخلاف المسوغ شبهةً حتى لا يجبَ حد مع خلاف، بل لا يجب [إلا] (٣) مع الإجماع.


(١) تنظر هذه المسألة، وما قرره الحنابلة ومعهم الشافعية من جواز إثبات الحدود والكفارات عن طريق القياس، في: "العدة" ٤/ ١٤٠٩، و"التمهيد" ٣/ ٤٤٩، و"المسوّدة": ٣٩٨، و "شرح مختصر الروضة" ٣/ ٤٥١.
(٢) انظر قول الحنفية هذا في: "أصول السرخسي" ٢/ ١٥٧ - ١٦٤.
(٣) زيادة يستقيم بها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>