للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الكلامِ مع أصحابِ أبي حنيفة في الفرقِ بين سماعِ ذلكَ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم وسماعِه من غيره.

إنَّ الصيغةَ الموضوعَة في اللغةِ لا تختلفُ باختلافِ الناطقين بها، بدليلِ أسماءِ الجموعِ والحقائقِ الموضوعةِ من أسماءِ الأجناسِ، والأنواعِ، والأشخاصِ، فنقولُ: صيغةٌ موضوعةٌ، فلا يجبُ التوقفُ عن اعتقادِ موجَبها والعملِ به، كما لو سُمِعت من الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

شبهةُ القائلِ بالفرقِ: ان الرسولَ صلى الله عليه وسلم لا يؤخرُ بيانَ التخصيصِ، إذا كانت الصيغةُ مخصصةً، إما ببيانِ ذلكَ بدلالةٍ، أو قرينةٍ تُذكرُ، فإنَّه لا يجوزُ عليه تأخيرُ اليَبانِ، بخلافِ آحادِ أمَّتِه من المبلِّغينَ عنه والرواةِ، فإنَه لا يجبُ عليهم ذلكَ.

فيقالُ: إنَ تأخيرَ البيانِ عن وقتِ الخطابِ جائز عندنا، وسيأتي الكلامُ في ذلكَ إن شاء الله على أنَ المبلِّغَ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي له أن يؤديَ الصيغةَ إلا على ما سمعها، ولا يُحدِث فيها شيئاً؛ لأنَّه يكون تلبيساً، فإذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يجوزُ له أن يُعزَيَ الصيغةَ عن بيانِ تخصيصٍ إن كان فيها، فالمبلغُ أيضاً عنه لا ينبغي له أن يبلِّغَها متجرِّدةً عن القرينةِ التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا فرقَ بينَهما إذاً.

فصل

في العمومِ إذا خُصّ، هل يبقى على حقيقتِه أو يكونُ مجازاً؟

فإنه حقيقةٌ فيما بقي، ولا يصير مجازاً بتَخصيصهِ، هذا مذهبنا (١)؛ لأنَّ أحمدَ رضي الله عنه أخذَ بعموماتٍ قد خُصَّت في عدةِ مواضعَ، وبه قال أصحابُ الشافعيِّ (٢)،


(١) انظر "العدة" ٢/ ٥٣٣، و"التمهيد" لأبي الخطاب ٢/ ١٣٨و"المسودة": ١١٦، و"شرح
الكوكب المنير" ٣/ ١٦٠.
(٢) هو رأيُ كثير من أصحاب الشافعي، كأبي حامد الإسفراييني، وابن السمعاني، وابن السبكي=

<<  <  ج: ص:  >  >>