للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في تحقيق الأمرِ على قَولِ مَن يقول: إن الكتابةَ كلام حقيقةً.

اعلمْ أنَّ الظاهرَ مِن مَذْهب صاحبنا وأصحابِه أن الكتابةَ كالتلاوة في أصول الدين، وأنَها كالكلاَم في الفروع، فمنْ ذلك قولُهم: إنَ كاتبَ الطلاق كالمَتَلَفظِ به، وإنه لا يفتقرُ إلى النِّيَّه، بل كتابةُ الصريح كالنطقِ بالصريحِ، فلا يتحققُ منهم حد الأمرِ بأنه استدعاءُ الفعل بالقولِ، لأن الكَتْبَ ليس بقول، وإنما هو تعبير عن القولِ ودلالةَ عليه.

وقالوا في تحديدِ الكلامِ: هو الحروفُ والأصواتُ المَسْموعةُ، وليس هذا في الكتابةِ، إنما هي حروفٌ مسطورةٌ، فهو في الصُّحُفِ والمصاحفِ حروفٌ بغير أصواتٍ، وهي في الصدورِ لا حروفَ ولا أصواتَ، إذ ليس بمسموع ولا مَرْئي، وإنما هو ثبات في القلب، وهو المُسَمَّى بالحفظِ، وهو دَوامُ الذِّكْرِ له، وليس يُمكنُ أَنْ يقالَ: اَستدعاءٌ بالمفهوم، لأن الحد يجبُ انْ يُملى فيه بالأخصِّ، ولأن قولنَا بالمفهوم باطلٌ، لأنَّ الإشارةَ استدعاء بالمفهوم، وليست أمراً، ولا من أقسام الكلام، ولا قَسم أحد الكتابةَ والإشَارةَ مِن أقسام الكلام، وإنماَ استثناها اللهُ سبحانه في حق زكريا لأنَها تُعَبِّر عن اَلكلام (١)، فهي شبيهةٌ به في المُرادِ بها، فتحققَ مِن هذا أنَّ الأمرَ حقيقة لاَ ينطلقُ الأ إلى الحرفِ والصوت، وهي صيغة: افعلْ، دُونَ كَتْبها المُعَبر به عنها،


(١) يشيرُ بذلك الى قول الله تعالى لنبيه زكريا عليه السلام: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١].

<<  <  ج: ص:  >  >>