للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، فلا يكون لذكرِ الفِسق فائدةٌ إذا لم نعمل بدليلِ اللفظِ، وأنه إذا جاء عدل بنبأ عَملنا به، ولم نتوقف على العملِ بخبر وشَهادتِه، والعربُ على ذلك؛ فإن القائلَ منهم إذا قال لعبدِه: إذا جاءني زيدٌ مُعتذِراً؛ فأكرمه، وإذا جاء عمرو زائراً، فاخْدُمه. كانَ ذلكَ مُوجِباً بصريحِ الشرطِ إكرامَ زيدٍ إذا جاء معتذراً، وخدمة عمروٍ إذا جاء زائراً، ومُسقِطاً عنه الإكرام والخدمةَ مع عدمِ الشرطين اللذين ذكرهما.

ومنها: في الدلالةِ على أنَ ما بعدَ الغايةِ مخالف لما قبلها؛ لأنها نهايةُ الحكمِ والسببُ الذي يُنتهى إليه، فلو كان [ما] (١) بعدَ الغاية كما قبلها؛ لخرجت عن أن تكون غاية، ولهذا لا يحسُن أن يقولَ لعبدهِ: اضرب المذنبَ من عبيدي حتى يتوب.

وهو يريدُ: واضربه بعدَ أن يتوب. ولهذا لا يحسُنُ أن يصَرِّحَ فيقول: واضربه بعد التوبةِ؛ لأنه يخرجُ ذكرُ الغاية في البيان (٢) أن يكون مفيداً، ويصح أيضاً أن يقولَ القائلُ لغيره: لا أعطيك شيئاً من مالي حتى تتوبَ، وإذا تبتَ فلا اعطيك شيئاً حتى تَخرجَ عن حيز ما يَتخاطب به الناسُ إلى الَّلغوِ والعَبث.

فصل

فيماوجَّهوه من الأسئلةِ على جميع أدلّتنا

فمنها: أنَّ دعواكم أن ذلك لغةُ العرب، فليس يثبت بما ذكرتموه عن أبي عُبيدٍ والشافعي؛ لأنهما لم يرويا ذلك عن العَرب، بل، قالاه برأيهما وظنهما، وقد يظنان ذلكَ وتكون اللغةُ بخلافِ ما ظنَاه من العربِ ومن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ليسا معصومَين، ولو رَوياه فليس في وُسعهما روايته عن جميع العرب، بل عمَّن وقع لهما، ولو كان لغةً موضوعةً لاتنقل إلينا تواتراً لا يحصُلُ معه خلاف، فكلامهما يَدُل على أنهما قالاه


(١) زيادة يستقيم بها المعنى.
(٢) في الأصل: "البين"،.

<<  <  ج: ص:  >  >>