للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الوجوهِ التي منها يكونُ القياسُ

اعلم أن الوجوهَ التي منها يكونُ القياسُ: الاشْتِباهُ، إلا أن الاشتباهَ لا يكونُ قياساً حتى يجبَ به حكم، والاشتباهُ الذي يجبُ به حكم لا يخلو من أن يكونَ من جهةِ الشَاهدَيْنِ، أو الشهادتَيْنِ، أو الجميعِ، والاشتباهُ الذي يجبُ به حكم لا يخلو من أن يَرجعَ إلى النَفس أو إلى العِلَّةِ.

فالاشتباهُ في الشَّاهدين دونَ الشَّهادتَينِ: كالفعلِ يَشهدُ بأن له فاعلًا، كما يشهدُ الفعلُ بأنه لا يكونُ إلا من قادرٍ.

وأما الاشتباهُ في الشهادتين دونَ الشاهدين: فكالأمرِ بالظلمِ يشهدُ بأنه لا يكونُ من حكيم، كما تشهدُ إرادةُ الظُّلمِ بانها لا تكونُ من حكيمٍ، هذا شاهدٌ للمتكلِّمين من المعتزلةِ ومثالِهم.

ومثالُ ذلك من مذهبنا: فكالأمرِ المحكَمِ لا يصدرُ إلا من عالِمٍ، كما أن الفعلَ المتقَنَ لاَ يصدرُ إلا من عالِمٍ.

وأما الاشتباهُ في الجميعِ: فكتدبيرِ العالَمِ يشهدُ بأنه لا بُدَّ من

مُدبِّرٍ، كما يشهدُ تدبيرُ المَنْزِلِ والحانوتِ بأنه لا بُدَّ من مُدبرٍ.

وكلُّ اشتباهٍ ذكَرْناه فإنما هو في المعاني دونَ العِلَّةِ (١)، وأما الاشتباهُ بالعلَّةِ: كالصفيحةِ العليا متحركة؛ لأن فيها حركةً، فكذلك الصَفيحةُ السُّفلى متحرِّكةٌ؛ لأن فيها حركةً، وكذلك موسى عليه السلامُ نبىٌ؛ لأنه


(١) في الأصل: "المعنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>