للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَركِه والخروجِ عنه؛ لأنَ ما ليس بمأمورٍ به لا يُذمُّ على تركِه.

فصل

يجمعُ الأجوبةَ عمّا تعلَّقوا به من الشُّبَهِ

فمنها: أن الآية لا تَعَلّقَ لهم فيها، وإنما الواردُ في [الآية] (١) أنها خطابٌ لكفَّار أهلِ الكتاب، وكأنه يقولُ: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمِنوا بمحمدٍ. وقد قيل: إنَّه خطابٌ لمؤمني أُمته، لكن المرادُ به الأمرُ بالاستدامةِ، وتقديرُه: استَديموا إيمانكم، مثل قوله: {اِهْدِنَا السَّراطَ (٢) المُسْتقِيم} [الفاتحة: ٦]، والمرادُ به: أدِم لنا ما مَنحتنا مِن هدايتك.

وإذا تقررَ أنه امر باستدامةِ (٣) الإيمان، فنحنُ لا نَمنع من ذلك؛ لأنه أمرٌ بإيجاد الفعل في المستقبل، وذلك غيرُ موجودٍ في الحال، فتقديره: يا أيها الذين اَمنوا الآن، لا تكفروا في مستقبلِ الحالِ، بل آمنوا في الحال الثانيةِ كما آمنتُم الآن.

وأما تعلقهم بذم الكافر فلأجلِ إصرارِه على الكفر، مع قدورته على الخروجِ منه بفعل ضده، وهو الإيمانُ، فهو كالقاعدِ يُؤمر بالقيام، والقائمِ يؤمرُ بالقعودِ، بخلافِ الإيمان، فإنَّ المؤمنَ لا يصحّ أن يَفعَله إلا في مستقبلِ الحالِ التي هو فيها مؤمن، فهو كالقيامِ لا يصحّ أن يفعلَه القائمُ لاستغنائه بوجودِه عن موجِد، وأما استحقاقُ الذمِّ للكافر؛ فلأجلِ تركه الإيمانَ، ومُقامه على الكفرِ زماناً بعدَ زمانٍ، وهو الإصرارُ، لا لِسوى ذلك (٤).


(١) طمست في الأصل، وقدرناها حسب المعنى.
(٢) هذه قراءة ابن كثير المكي في رواية القواس: "السراط" بالسين، وقرأها الباقون بالصاد. انظر "حجة القراءات" لأبي زُرعة محمد بن زنجلة: ٨٠.
(٣) في الأصل: "بالاستدامة".
(٤) انظر "العدة"٢/ ٤٠٠ - ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>