أن يَستقصي في إقامة الدلالةِ، ويذكرَ كُل معنىً تقوم له به الحجةُ، ولكانوا ينقلونه للحفظِ على العصرِ الثاني والثالثِ؛ لئلا يُفضيَ إلى تضييعِ الشرعِ.
فصل
في جمعِ أدلّتنا من طريقِ النظرِ بعد الأثر
فمنها: أنَ الأمرَ بالعبادةِ على طريقِ الإيجابِ شَغْلُ الذمّةِ بعبادةٍ لا على وجهٍ منهيًّ عنه، فإذا أتى بها على الوجهِ المنهيَّ عنه لم يَحصُل فراغُ ذمته منها؛ لأنه أتى بغيرها، فصار بمثابةِ من أُمر بالصلاةِ فأتى بالصوم، وكما أنَ الصلاةَ غيرُ الصوم فالعبادة (١) على الوجه المنهيَّ غيرُ العبادة على غير الوجهِ المنهيّ.
ومنها: أنَ الحكمَ بصحةِ العبادة وإجزائها طريقهُ أمرُ الشرع، والإتيان بها على وجهِ النهي لم يَتناوله الأمر فلا يحكم له بالصحَةِ والإجزاء؛ لأنَّ الصحّة والإجزاءَ حكمان شرعيان، فلا يحصلان بفعلٍ واحدٍ إلا على وجهِ الأمرِ الشرعيّ.
وربما عبرنا عنه بعبارةٍ أُخرى، وهو أنَّ المنهيَّ عنه لا يكون مفروضاً ولا مندوباً ولا مباحاً، فلا وجَه لوقوعه صحيحاً؛ لأنَّ الصحة لا تخلو من أحد هذه الأحكام الثلاثة.
ومنها: أنَ الأمرَ يفيْدُ صحّةَ المأمورِ وجوازَه، فيجبُ أن يكونَ النهيُ يفيدُ حظرَ المنهيَّ وفسادَه؛ لأنَّ الحظرَ والفسادَ ضدُّ الصحةِ والجواز فإذا أوجبَ الأمرُ معنى، أوجب ضدُ الأمر -وهو النهيُ- ضد ذلك المعنى.
فصل
في أسئلتهم على أدلتنا
فمنها: أن قالوا: إنَ دعواكم أن ما منع من دخولِ الإيجابِ والإجزاء والإباحةِ تحتَ الفعلِ المنهيَّ عنه مع الصحةِ دعوى لا برهانَ عليها، وما أنكرتم على من قال: