للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: فيجوزُ ذلك الشهورَ والسنين الكثيرة، وإلا فما الفرق؟ وهذا يوجبُ صحةَ الوقفِ فيه أبداً، وتحريمَ الإقدامِ عليه في كل وقتٍ، وذلكَ باطل.

ومما يدُل على فسادِ القولِ بالوقف، ودعواه على أهلِ اللغة في أصل الوضع: علمُنا باتفاقِ أهل اللغةِ على مَدْح المُسارع الى ما يؤمر به، واعتقادُهم فيه امتثالَ المأمورِ به، هذا معلوم من حاَلهم وحكمِ مواضعتهم قبل مجيءِ الشرعِ. وقولهم: فلانٌ ممن يُسارعُ إلى المرسوم، ولا يبطىء، ولا يتراخى فيما يؤمرُ به، ولذلك ذهبَ كثيرٌ من الناسِ الَى القولِ بالفور دونَ التراخي، وإن لم يقصد أهلُ اللغةِ عندنا ما ادّعوه، ولكنهم قصدوا الى زيادة مَدْحِ من سارعَ الى امتثالِ أمرِ الآمرِ وبادرَ إليه، وإن كان له تأخيرُ ذلك.

ومن هذا الوَجْه مَدحَ الله تعالى قوماً بذلك، فقال: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)} [المؤمنون: ٦١]، فبطل دعوى أهلِ الوقفِ.

فصل

فيما استفدتُه من الأدَلّةِ على القولِ بالفورِ، مضافاً الى ما تقدم ومفرداً عنه.

أنَهم قالوا: إنَّ لفظ الأمرِ اقتضى إيجابَ الفعلِ، وكونهُ واجباً يقتضي إيقاعَ موجَبهِ، فوجب إيقاعُ الفعلِ مع الوجوب، ولم يجُز تأخيره، ولذلكَ اقتضى إيقاعَ موجبيه الأخرين، وهما: الاَعتقادُ والعزمُ على الفور.

<<  <  ج: ص:  >  >>