فأمَّا طرقُ الخطابِ من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنا: فبالنطقِ والإشارةِ المفهومةِ للحاضرينَ، وبالمكاتبةِ للغائبين:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ...} الى قوله {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران: ٦٤] والإقرارُ الذي جعلَته الدلالةُ كالقولِ، والإذنِ في القولِ والفعلِ اللذَين يقر عليهما.
وقد جَمع اللهُ سبحانَه فوائدَ الخطابِ في قولِه تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤].
ففائدة منثورِ الخطابُ ومجموعِه: بيانُ ما كلفهم.
فصل
وأوَّل متلقى به الخطابُ، الإصغاءُ، ثم الفهمُ، ثم الاعتقادُ، ثم العزمُ، ثم الفعلُ، أو التركُ، والانتهاءُ إن كان الخطابُ أمراً أو نهياً، والتصديقُ إن كان خبراً، والرجاءُ الزائدُ على التصديقِ بالوعدِ، والخوفُ الزائدُ على التصديقِ بالوعيدِ.
قال الله سبحانه:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}[الأحقاف: ٢٩]، فالحضورُ للسماع والإنصاتُ للفَهِم، والإنذار تبليغاً لمبدأ الأمر: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: ١ - ٢] والائتمارُ واجبٌ. ولا يوصَلُ إليه إلا بالإصغاء والفهم بعد السمع، وما لا يتوصلُ إلى الواجبِ إلا به فهو واجبٌ.