للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح: ١٥]، فكما جاز أَن يُقَدِّم قولاً منه سبحانه بخبر، ثم يؤيِّدُه بالتصديقِ، كذلك يجوزُ أَن يأمرَ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بأَن يخبرَ بالخبر، ثم يؤيِّده بالتَّصديق لما أخبر أُمته به، ولافرقَ، ويكون اعتمادُه فيما يقدمُ عليه من الخبر على أنَّ الضَّامن له تصديقَ خبره قادرٌ على ذلك، فلا يكون حازراً ولا مخمِّناً، بل قاطعاً بكون ما أَخبرَ به على ما أَخبر.

وأما بعثته لرسولٍ يجعلُ إِليه ما يشرعُه برايه واختياره، وَيقصُرُ شريعتَه على ذلك، من غير وحي يَتنَزَّلُ إليه سوى قوله: احكم بما ترى، فجائزٌ (١)، ولا يفعلُ ذلك إِلاَّ في حقِّ مَنْ يَعلَمُ أَنَّ المصالح ونفيَ المفاسدِ واستقامةَ أَحوالِ الأمَّة، حاصلةٌ فيما يراه ويدبِّرُه بصحيح نظرِه، ولامانعَ من ذلك من جهةِ الشَّرع والعقلِ، ولا نَعلَمُ وجهاً لإحالة ذلك وامتناعِه، وغاية ما يُتَخَوَّفُ من هذا: وقوعُ الخطأ، ونحن نقول: إِنّه لايجعلُ الرأيَ إِلى رسولٍ من رسله إِلاَّ وقد علمَ عصمَتَه من الخطأ، وإِنْ لم يَعصِمْه عن وقوع الخطأ، عصمَه عن استدامةِ الخطأ، بأن لايُقِرَّه عليه، كما قلنا في الاجتهادِ الواقع منْهُ، وأنه لايُقَرُّ على الخطأ، وكما أخبرَ سبحانَه عن إِلغاءِ (٢) ما يُلقيه الشَّيطانُ من الفتنة: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: ٥٢].

فصل

يجوزُ للعاميِّ تقليدُ العا لمِ فيما يسوغ، فيهِ الاجتهادُ، ومالايسوغُ، فيَرْجعُ إلى قولِهِ في الفعل والتركِ، وبه قالَ الأكثروتَ.


(١) في الأصل: "جاز".
(٢) فى الأصل: "الياء".

<<  <  ج: ص:  >  >>