للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال قوم: لا يثبتُ الحكمُ في حقِّنا، ولا النسخُ ما لم يُنزَّل، وهذا إنما يكون، إذا كانَ مع جبريلَ عليه السلام قبل أنْ يتلقاه مأموراً بهِ، فأمَّا معَ تلقي نبينا - صلى الله عليه وسلم - للأمرِ، فإنهُ واصل إلى المكلفِ به (١)، فخطابهُ خطاب لَنا، وخطابنا خطاب لهُ، ودلائلُ الحال وقرينةُ الخطابِ دَلَّتْ على أنَّهُ كانَ إلزاماً لَنا أيضاً؛ لأنهُ روي أنَّ موسى عليه السلام كانَ يقول لهُ: "إنَّ أُمتكَ ضعفاءُ لا يطيقون، فاستنقص الله، ينقِصْكَ" (٢)، وهذا يشهد بأنَّ ذلكَ تكليس وصلَ إلى المكلف، فلا يكون حكمه حكمَ النسخِ على يد جبريل؛ لأنَّ جبريلَ رسول غيرُ مكلف، ولا داخلٌ تحت الخطاب.

وهذه الطريقة مبنية على الإسراء، وهو ثابت عندنا يقظةً لا مناماً، وجميعُ ما صَحَّتْ به (٣ المسألة هناك تصح به المسألة هنا ٣)، فالحُجَّةُ هناك أَوضحُ وأظهر من الحُجَّةِ في هذه المسألةِ.

فصل

في أدلة الاستنباطِ

فمن ذلك: أمره بالفعل المطلق المقتضي بظاهره تكررَهُ بتكررِ (٤) الأزمانِ، فما من زمانٍ مستقبلٍ إلا وهو مُسْتَوْعَبٌ مَشْمُولٌ بالأمرِ بالفعلِ المأمورِ به فيه، فلم يُمْنَعْ قطعُ ذلكَ الأمرِ عن أوقاتٍ مستقبلةٍ بنسخِ الأفعال المستقبلة، فكذلك نسخه للأمرِ الواحدِ عن إيقاعه


(١) في الأصل: "له".
(٢) تقدم تخريج حديث الإسراء في الصفحة ١٨٦.
(٣ - ٣) طمس في الأصل.
(٤) في الأصل: "تكرر".

<<  <  ج: ص:  >  >>