للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قواهم أنْ جدًدوا لها أسماءَ بنطقِهم، كما كان في قواهم التي منحَهم أن جددوا صورَها وأعمالَها الدقيقةَ، والأعمال الدقيقة التي جددتها قرائحهم عند احتياجِهم إليها، كان في قوةِ نطقِهم التي منحهم أن صاغوا لها أسماء، وضَعوها لها وسموها بها، واللهُ أعلم.

فصل: لبيانِ الفرقِ بين تفهيمِ اللهِ سبحانه للخطاب، وبين تفهيمِ المخلوقين بعضِهم بعضاً.

فصل

لبيانِ الفرقِ بين تفهيمِ الله سبحانه للخطابِ، وبين تفهيمِ المخلوقين بعضِهم بعضاً.

اعلمْ وفقكَ الله، أنا لما جعلنا أحدَ طرقِ وضعِ الخطاب المواضعةَ، وجبَ علينا أن نبيِّن كيفَ يبتدا الإنسانُ بالتفهيمِ لصيغ مبتكرةٍ، لم يسبقْ من مخاطبه تفهيمُ معناها، فإَنا لما بينا بالدلالةِ قدرة الله سبحانه على اضطرارِ من خاطبهُ من خلقهِ، إلى فهمِ ماخاطبَه به، وكان ذلك يعزبُ في قدرةِ المخلوقِ، إذ لا قدرةَ له إلا على إنشاءِ الصيغِ التي وضعَها لأمورٍ أرادَها بها ووضَعها لها، فأمَّا إنشاءُ الفهمِ لمن خاطَبه بمعاني مرادِه منها فلا قدرةَ لهُ على ذلك، وجبَ علينا بيانُ الطريقِ الذي يحصلُ به تفهيمُ خطابهِ كما بينا طريقَ قدرتِه على وضعِ صيغِ خطابهِ، ونظمهِ للحروفِ المعبرةِ عن مرادهِ.

فنقولُ وبالله التوفيق: إن الواضعَ لصيغِ الخطاب لا يزالُ يخاطبُ بالاسمِ نطقاً، ويشيرُ إلى المسمى بتلك الصيغةِ إشارَةً، تنبه المخاطبَ أن هذهِ الصيغةَ لهذا المشارِ إليه، ولا يزالُ كذلكَ، إلى أن يستقرَ في نفسِ المخاطب بهذا الخطاب وهذا الاسمِ، أنه اسم لذلك المشارِ إليه، وهذا دأبُ الأباءِ والأمهَاتِ مع الأطفالِ، والمعلمينَ للبهائم الصنائع، والناقلينَ من اللغاتِ إلى غيرِها بالتراجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>