للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النداءِ، فإذا تأخرَ وتراخى صارَ كامِلاً مبتدأً لا جواباً، كذلكَ يخرجُ أن يكونَ مع التراخي والمهلةِ جزاءٌ. فأما الواو فلا تقتضي المهلةَ، فإذا قال: ضربني وضربتُه.

يحسُنُ أن يقولَ: عقيب ضربه، كما يحسنُ أن يقولَ في الفاءِ، ولا يحسُنُ أن يقولَ في (ثمَ) ذلكَ، فإذا كانت (١) مفارقةً لـ (ثمَّ) في المهلةِ والتراخي المُخرِجِ للجزاءِ عن مقتضاه، ثم لم تقم مقام الفاءِ، ولا كانت بدلاً عنها، عُلِمَ أنها لا تقتضي الترتيبَ.

وأمَّا الجوابُ عن الثاني منهما، فغيرُ لازم؛ لأنَّنا لا نمنعُ أن تستعملَ استعارة ومجازاً، لكن الأصل الحقيقةُ، فلا يجوز أن يرد الاستعمال للحقائقِ لأجلِ ورودِ ذلك مجازاً واستعارةً، ما هذا إلا بمثابةِ من استدل بقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}

[الحج:٢٨]، وذلك دليل على أنه لا يؤكلُ جميعُ الهدي والأضحيةِ، فيقول له قائلٌ: أليسَ قد قال اللهُ تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠]، و {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠]، وليس المرادُ به البعض، فإنا لا نترك حقيقةَ حرفِ التبعيض فيما استدللنا بهِ لأجلِ المجازِ الواردِ في ذلك، بل نَحتاجُ إلى دليلٍ يدلُّ على أنَ ما ذكرناه مجازٌ واستعارةٌ.

فصل

في شُبههم في مسألةِ "الواو"

فمنها: ما روى عديُّ بنُ حاتمٍ أنَ رجلاً خطبَ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: من يُطعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشد، ومن يَعصهما فقد غَوى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بئسَ الخَطيبُ أنتَ، قل: ومَن يعصِ اللهَ ورسولَه فَقد غوى" (٢). فلو كانت الواوُ التي نقلَه إليها للجمعِ؛ لكان قد نقلَهُ من جمعٍ إلى مثلِه، وذلكَ لا يليقُ بمنصبه.

ومنها: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه بدأ بسَعيه بين الصَّفا والمروة، وقال: "نبدأ بما بَدأ اللهُ


(١) يعني الواو.
(٢) تقدم تخريجه في ٢/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>