للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به " (١)، وأراد بذلك قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: ١٥٨]، وهذا نص منه على أنها للترتيب، فإن الذي يناسبه من الفعلِ ترتيب، فبدأ فعلاً بما بدأ الله به قولا ومنها: ما رُويَ أن عبدَ بني الحَسْحَاس (٢) أنشد عُمرَ رضي الله عنه:

عُميرةَ وَدِّع إن تَجهزتَ غادياً ... كَفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً (٣)

فقال له عمر لو قدمتَ الإسلام على الشيب لأجزتك. فدل على أن الواوَ رتَّبت الشيبَ على الإسلامِ.

ومنها: ما رُويَ أنَ رجلاً قال لابن عباس: كيف تقدِّمُ العمرةَ على الحج وقد قدم اللهُ الحج على العمرة؟ فقال ابنُ عباس: كما قُدمَ الدينُ على الوصية، وقد قدم اللهُ الوصيه على الدين (٤)، يعني بذلك قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}


(١) أخرجه مالك ١/ ٣٧٢، ومسلم (١٢١٨)، وأبوداود (١٩٠٥)، وابن ماجه (٣٠٧٤)، والترمذي (٨٦٢)، والنسائي ٥/ ٢٣٩. من حديث جابر.
(٢) هو سُحَيم عبدُ بني الحَسْحاس، من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، كان أسودَ أعجميا أنشد عمر رضي الله عنه من شعره، وقُتل في خلافة عثمان رضي الله عنه، انظر "الأغاني" ٢٢/ ٣٢٦، "الاصابة" ٣/ ٢٥٠ - ٢٥٢، "خزانة الأدب" ٢/ ١٠٢ - ١٠٦.
(٣) ورد هذا البيت في مطلع قصيدة لسُحيم. انظر "ديوانه" صفحة: ١٦، وأورده ابن حجر في "الاصابة" ٣/ ٢٥١:
وَدع سُليمى إن تجهزت غادياً ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً.
(٤) ورد هذا الاثر من غير احتجاج عبد الله بن عباس بقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١]، في مسند أحمد (٢٣٦٠) ط مؤسسة الرسالة عن كريب مولى ابن عباس قال: قلت لابن عباس: يا أبا العباس، أرأيت قولك: ما حج رجل لم يَسق الهديَ معه ثم طاف بالبيت، إلا حَل بعمرة، وما طاف بها حافي قد ساق معه الهديَ، إلا اجتمعت له عمرة وحجة، والناسُ لا يقولون هذا. فقال: ويحك، إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرجَ ومن معه من أصحابه لا يذكرون إلا الحج، فأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه الهدي، أن يطوف بالبيتِ ويحل بعمره، فخعلَ الرجلُ منهم يقول: يا رسول الله، إنما هو الحجُ، فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليس بالحج، ولكنْها عُمرةٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>