للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ

في دلائلنا على تجويزِ ذلكَ

فمنها: أنَّ الله سبحانَهُ بَعَثَ موسى وهارونَ في زمن واحدٍ وعصر واحدٍ، وجَعَلَ جمعَهُما مصلحةً؛ من حيثُ إنَّهُ ذكرَ أنَّهُ شَدَّ عضُدَ موسى واَزرَهُ بهارونَ، وخَلَفَهُ في قومِهِ لمَّا غابَ عنهم، فغيرُ ممتنع أنْ يُجْعلَ النبي الثاني بعدَ الأولِ مُحيياً من شريعتِه ما أماتهُ المبطلون، ومُنبِّهاً على ما أهملَهُ الغافلون، وقد يُؤَثِّرُ التناصرُ والتعاضدُ ما لا يُؤثِّرُه الاتحادُ، ولهذا قَرَنَ اللهُ بين معجزتين، وأيَّد الأُولى بثانيةٍ، والثانيةَ بثالثةٍ، وقال اللهُ تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: ١٤]، ولهذا طالَ بقاءُ نوحٍ في قومهِ يدعوهم إليه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عاماً، وإطالةُ عمرِ النبيِّ الواحدِ لم يَمنعْ منه عقل ولا شرع، بل شَرَعَ كذلك إِرْدافَ نبيٍّ بنبيٍّ تأييداً لما جاءَ بهِ الأوَّلُ.

فإن قيل: إذا لم يَنْسخِ الثاني شرعَ الأولِ، فما أفاد.

قيل: قد بيَّنَا إفادَتَه من وجهٍ، وهو تجديدُ الإذْكارِ والإنذارِ، ولو جازَ أِن يقال: ما أفادَ الثاني، لجازَ أن يقال: ما أفادَ بقاء الأولِ بعد بلاغهِ عاماً، عاماً ثانياً وثالثاً إلى أنْ تطاولَ الزمانُ، ولا أثَّرَ بِعثَةُ نَبِيَّين في زمانٍ واحدٍ وعصرٍ واحدٍ، ولَمَا أثَّرَ بعثةُ اثنين، ولا إعزاز الواحد باثنين بعدَهُ ثانياً وثالثاً، ولكان (١) المعجزُ الثاني والثالث عَبَثاً، حيث لم يفد الثاني إلا ما أفادَهُ الأولُ؛ من كونِه برهاناً [و] حجَّةً على صدقِ ما (٢) ظَهَرَ على يديهِ.


(١) في الأصل: "ولو كان".
(٢) في الأصل: "مَنْ".

<<  <  ج: ص:  >  >>