صِحَّةِ الأصلِ قبلَ التسليمِ، وله أن ينازعَ في شهادةِ الأصلِ بالفرع، إذا آثرَ الكلامَ في أحدهما دون الآخَرِ، وتضَمَّنَ أن يَكسِرَ المقالةَ من جهته دون كسرِها من الوجه الآخرِ، فكان عليه استتمامُ ذلك، وإلا فقد ظهرَ عجزُه عما تَضمَّنَه، وانقطاعُه عما ظَنَّ أنه يَبلُغُه.
مثالُ ذلك: التسليمُ أن النَّشْأَةَ الأولى لو أنها كانت بالطَّبيعةِ لا تشهدُ بأنه لا يكونُ نشأةٌ ثانية بالطبيعة، بل يجوزُ ذلك ولا يُمنَعُ منه، فإذا وقعَ التسليمُ لأصل الدَّهْرِيِّ في هذا، فينبغي أن يُقصَدَ إلى الكلام في وقوعه، وُيستقصى القولُ فيه، حتى يُبَيَّنَ أن ذلك الأصلَ لا يشهدُ به، بل يجوزُ أن يكونَ معه، ويجوزُ أن لا يكونَ معه.
فصل
في الانقطاع بجَحْدِ المذهبِ
اعلم أن الانقطاعَ بجَحْد المذهبِ عجزٌ عن نُصرة المقالةِ، لا بالانتفاء عن مقالة أخرى.
والمثلُ في ذلك، والمثلُ له من طريق الصُّورة: رجلٌ ضَمِنَ على نفسه بناءَ بيتٍ تسلَمُ مع بنائه أبنيةُ مُجاوِرِيهِ فلم يُمْكِنْهُ أن يبنيَه إلا بهدم بيتٍ يَليهِ لبعض مُجاورِيه، فهو لا مَحالةَ منقطعٌ عن بلوغ ما قَدَّرَ، فكذلك الخصمُ إنما يُكلِّمُ خصمَه على سلامة مذاهبِه عنده، وإذا جحدَ شيئاً إمَّا على جهة الرجوع وإما على جهة المكابرةِ فيه؛ كان مُنقطعاً في حكم الجدلِ.
مثالُه في المسائل: استدلالُ النَّجَّارِيِّ (١) على أن كلَّ فعلٍ مُحكَمٍ
(١) نسبة إلى النَّجَّارية، وهم أصحاب وأتباع الحسين بن محمد النَّجَّار، وافقوا =