مراتب التعبُّدِ والاستدعاءِ، وفارق المقاديرَ (١) بالجمعِ والأمر به؛ لأنَّ مرتبةَ الجمع لا غايةَ لها، فحُمِلَ على ما انْحَرَسَ فيه الجمعُ، ومرتبةُ الأمرِ الإيجابُ الذي يحرسُ التأسي، ولا يُسقطُه.
وأمَّا قولهم: إنَّ الندبَ أكثرُ أفعاله، فَحَمَلْناهُ عليه؛ لأنَّه العامُّ المستدامُ، فالإباحةُ أعمُّ، وكانَ يجبُ أن نحْمِلَه على الإباحةِ، كما قالَ بعضُ الأصوليين.
على أنَّ أقوالَه وأوامره بالندبِ كانت أكثرَ من أوامره بالإيجاب، ولم يُحْمَل مطلقُ أمرِه على الندب، فإن مَنَعوا في القَوْلِ أيضاً، دللنا بما دلَّلْنا به في مسألةِ الوجوب.
ولأنَّ المجاز الذي كثُرَ استعمالُه، عمَّ استعمالُه، ولم يوجِب ذلكَ أن يُحملَ إطلاقُه على غيرِ الحقيقةِ، لأجلِ قِلةِ استعمالِها، وكثرةِ استعمالِ المجاز.
فصل جامع لشُبَه من نفى الوجوب، ممَّن قال منهم بالوقف، والندب، والإباحة
فمنها: أن قالوا: إنَّا لم نجعل صيغةَ الاستدعاء أمراً إلاَّ برُتبةٍ في المُسْتدعِي، بأن يكونَ أعلى، ولم نقنع بمجردِ الصيغةِ في حكمِنا عليها بأنَّها أمر، فوجبَ أن لا تُعطى صورةُ الفعل رتبةَ الإيجابِ إلا بدلالةٍ تدلُّ على الوجهِ الذي خرجَ عليه الفعلُ.
فيقالُ: قد اعتبرنا الرتبةَ في الفاعلِ، وهي النبوةُ الموجبةُ للاقتداءِ