للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الأجوبة عن شُبَههم

أمَّا الأولى: ودعواهم أنَ الغصبَ يتناولُ الدارَ عَينها وأجزاءها. فإنها دعوى بعيدةٌ؛ لأن المالكَ من الآدميين لا يملكُ عينَ شيء عند الفقهاءِ أجمعَ، وإنما يملكُ التصرّف بالتقلبِ فيها، والإكوانِ، وإيقاعِ الآثارِ في سطحها وأعماقها، فأما الأجزاءُ والأعيانُ، فاللهُ سبحانَه المنفردُ بها، حتى إنَ المعتزلةَ منهم قالوا: بأنَّ الأعيانَ لا يملكها مالكٌ، لا القديمُ ولا غيرُه، حيث جعلوا الملكَ: القدرةَ، والقدرةُ لا تتسلّط على الموجوداتِ، حتى إنَ الحيوان يختصّ ملكُ الآدميِ فيه بأفعالٍ مخصوصةٍ وآثار مخصوصة، وهي ما لا يضر بالحيوان إضراراً بَيناً، ولا يملكون تحميلَه ما لا يطيق، ولا ضربَه لغيرِ حاجة، ولا إخصاءه، ولا تَبْتيكَ آذانه، ولا كيَّه، والله مالك ذلك فيه، فالقدْر الذي يملكه المالك يتسلط عليه الغاصب، وهل يَنتهي ملكُ المالكِ للدارِ في صلاته فيها إلى أدنى من الكونِ بحركاتِه وسكناتِه، وركوعهِ في هوائها، وسجوده على أرضِها، فالقدْر الذي ينتهي تسلّط المالكِ وتصرّفُه ينتهي إليه تصرفُ الغاصبِ، والصلاة بأكوانٍ مخصوصةٍ وبحركاتٍ مخصوصة في قرارِ الدارِ وهوائها، فأينَ انفصالُ الغصبِ عن الصلاة؟

ولأنَّ الغاصبَ بحركاتِه وسَكناتِه ومضيه في الجهاتِ حالَ صلاتِه مستمتع بالدارِ كاستمتاعِ مالكها، ثم إنه بذلك مانع صاحبَها من الانتفاعِ بمثلِ انتفاعِ الغاصبِ، فلا يمكنه الصلاةُ في المكانِ الذي يُصلي فيه الغاصبُ، ولا إشغالُه بوضع عدل ولا شيءٍ يملأ تلك البقعةَ من الدار فقد بان بأنه غاصب بالصلاةِ مكانَ الصلاة وهواءها بكلِ كونِ يفعله وجهةٍ يملؤها بذاتِه وأعضائِه وحركاتِه وسكناته.

والذي يوضحُ ذلكَ ما قال الفقهاء: إن من كان له شجرة، فخرجت أغصانها، وبَسَقت إلى هواء دار جاره، أو غَرقت عروقُها إلى بئرِ جارِه، كان باستدامة ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>