للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأعياد، وإزالة الأنْجاس، هذه كلها من جُملة تكاليف الشرع، وهي مُساعدةٌ للطبع، ومُلائمةٌ للنفْس، فلا تَكْلِفة (١) فيها، فَبطلَ أن يكونَ تكليفُ الشرع مأخوذاً من الكُلفَة والمشقَة.

قيل: لا يَخرج؛ لأن كل من أخرجَ الأمرَ والنهيَ عن مَشيئته المُطْلَقَة إلى دخولٍ تحت رسمٍ، فإنه (٢) تكليف، حتى إنه يحْسُنُ أن يقول العربي: كنتُ بنِيّةِ الصوم، فَكَلَّفني صَديقي الإِفطارَ، وكنتُ على شَعث السفر فَكَلفني دخولَ الحَمام. فإلزامُ الرسم تَكليفٌ وإن وافَق الطبعَ، وإلزامُ الطبيب من جهة العِلاج أَكلَ (٣) المُرُورَةِ وشُربَ الشَرْبَة الحُلوة، كتكليفِ الحِمية من حَيث إنه رسمٌ وحدٌّ يوجب الاتَباع.

واعلم- وفقك اللهُ- انَ أفعالَ العُقلاءِ على ضَربين: ضَربٌ منها: لا يصحُّ دخوله تحتَ التكليف، وهي ما يقع منهم حالَ الغَفلةِ والسَّهوِ والنومِ والغَلبةِ بالسُّكْر، وكلِّ ما يَقع عن عُزوب العقل (٤) والتمييز.

وقال جماعة من الفُقهاء: إن العاقلَ مُكلَفٌ في هذه الأحوال تَكليفاً ما، ولربما كَشَفَ تحقيقُ الكلام بين من خالفَنا في ذلك عن عبارةٍ دونَ أن يكونَ تحتها معنى، مثل قولهم: يَلزمه عند إفاقته وتَذكُره


(١) في الأصل: "يخلفه".
(٢) في الأصل: "وإنه".
(٣) في الأصل: "اتخذ".
(٤) أي: عند غياب العقل، يقال: عزب عني فلان، أي: غابَ وبَعُد. "اللسان": "عزب".

<<  <  ج: ص:  >  >>