للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إنّهم وضعوا الخطابَ بالمناجاةِ للحاضِر القريب، والمناداة (١).

للحاضِر البعيدِ، والمكاتبةَ للغائِب الذي لا ينتهي إليه الصوتُ في الهواءِ، فلا ينكرُ لهؤلاءِ اكتسابُ تخاطبٍ للتفاهمِ.

ومما يدلُّ على صحةِ ذلك: أننا نجدُ اليومَ من تجدد لصنائعَ محدثةٍ أِنتجتْها القرائحُ، آلاتٍ وأدوات لم تكنْ، ونضع لها أسماءً بالاصطلاحِ، فيُفْهَمُ بذلكِ الوضع، المرادُ من المستدعي لها، كما تَجددَ من الحوادثِ، وتجددت لها أحكام استخرجها متأخرو الفقهاءِ، لم تكنْ في ابتداءِ الإسلام، وما أحدثوا من المباني والصورِ والملاهي وغيرِ ذلك مما حددوا له أَسماءَ بحسب تجدده، وحركوا سواكنَ الطباعِ الأربع باستخراجِ أصواتٍ.

ثم وَضعُ الموسيقى؛ فطريقة لإيقاظ الحزن، وطريقة لإيقاظِ السرورِ، وطريقةٌ للتشجيع والإقدام على الحرب (٢)، هذا وأمثالُه مما يوضَحُ ما ذكرناه من القدرةِ والنحَيزة (٣).

فصل

يجمع شُبهَ القائلينَ بأن الكل توقيفٌ.

قولُه تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] فلم يبقَ لنا اسمٌ تقدحُه القريحةُ، ولا تتيحهُ الغريزةُ، ولا يضعهُ المتواضعون.

وقال سبحانه للملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} [البقرة: ٣١] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ} [البقرة: ٣٢] فدلَّ على أنَ آدمَ والملائكةَ لا يعلمونَ إلا بالتعليمِ بهاتين الآيتين، فلم يبقَ كلامٌ يضعهُ الأحياءُ من


(١) في الأصل: "المناجاة".
(٢) الضرب بالآلات المطربة محرم، لأنها تصد عن ذكر الله، إلا الضرب بالدف في النكاح فهو مباح. انظر "الكافي" لابن قدامة ٦/ ١٩٩.
(٣) النحيزة: الطبيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>