قالوا: تفريقُهم ما بين السؤالِ والأمرِ، لا يَدُل على أنْ لا فرقَ بينهما إلا بالوُجُوب، بل الرتبةُ أعطتْ الفرقَ في التسميةِ، كما افترقَ الاسمُ بين موافقةِ الأعلى للأدنى فيما استدعاه منه، وموافقةِ الأدنى للأعلى فيما استدعاه نَدْباً له، فيقال: أطَاعَ. ولم يَدلَّ على وجوبِ ما أطاعَ فيهِ الأدنى، بل استويا في نفي الوجوب مع اختلاف التسميتين.
قالوا: وقولكم: إنها استدعاء مجرد عن تخييرٍ وتوسعةٍ مطلقةً لا تقييدَ، فهذا يوجبُ حَمْلَها على الاستدعاءِ المجرّدِ عن صفةِ انحتام أو إيجابٍ، فيكوَن المُقْتَضي لتجردِها واطلاقِها أحدَ أمرين: إمَّا الوقفُ عن القول بإيجابٍ أو ندب، لأنه الأليقُ بما اقتضاهُ دليلُكَ من نفي الوصفِ؛ لأن نفي القرينةِ أدْعى لنفي الصفةِ، أو إنْ حُمِلَ على أمرٍ -على صفة- حُملَ عَلى أدنى الوجهين، وهو الندبُ، ولا يُحملُ على الوصفِ الأقصى، وهو الحتمُ، إلا بدلالةٍ تقتضي التضييقَ في الاستدعاءِ والانحتام.
قالوا: وأما تسميةُ المُخالفِ لها: عاصيا، فليس على ما يَقَعُ لكم من أنه يُقَابِل ذلك بمطلقِ الأمرِ، بل لقرائن ومعانٍ تتصلُ بلفظةِ الاستدعاء، بعْضُها مُشاهدٌ وبعضُها مفهومٌ من تصاريفِ القائل، بحيث يختلفُ الحالُ بين السامعِ له مع العميانِ، وبين السامع له من وراءِ حِجَاب، فتدلُّ تلك القرائنُ على الوجوب، على أنه لا يَسلمُ لكم أن قولَنا:(عاصٍ) اسمُ ذم في اللغةِ، إنما صَار في الشرعِ اسمُ ذم، لكثرةِ