للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الفَرْق بين النسخِ والبَداءِ

قد بَينَا فيما تقدمَ (١): أن النَسخَ: هو رفعُ ما ثبتَ حكمُه بعد استقرارِه، دونَ رَفْعِ مثلِ ما ثبتَ، ودونَ بيانِ مدَّةِ انقطاعِ العبادة، بما يُغْنِي عن الإِعادة، وذلك جائز على الله سبحانه، وصواب في حِكْمَتِه.

فهذا بيانُ النَسخِ تمهيداً للفرقِ بينه وبين البَداءِ.

فصل

فأما البداءُ فمعناه وحقيقتُه: أنه استدراكُ علمِ ما كان خافياً مستوراً عمن بدا له العلمُ به بعدَ خَفَاء، ولذلك يقال: بدا الفَجْرُ: إذا ظَهَر، وبدا الرَّكْبُ: إذا طلعَ أوائلُه، وبَدا لي من فلانٍ ما كان مستوراً، ومنه قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: ٢٨]، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]، {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر: ٤٨]، وقولُه: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} [آل عمران: ١٥٤]، وإذا كان كذلك، وكانت دلائلُ العقول والسمعِ قد قامت ودلت على أن الله سبحانه عالم بما كان، وما يكونُ، وما لا يكونُ أنْ لوْ كان كيفَ كان يكونُ، وبعواقب الأمورِ، ومن كان كذا، ثبتَ أن البَداءَ الذى شرحناه غيرُ جائزٍ عليه سبحَانه (٢).


(١) انظر الصفحة (٢١٢) وما بعدها.
(٢) "شرح اللمع" ٢/ ١٩١، و "التمهيد" ٢/ ٣٣٨ - ٣٤٠، و "شرح الكوكب المنير" ٣/ ٥٣٦ - ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>