فليس جهةُ وجوبِها كونَها حَسَنةً؛ لأن المباحَ والنًدْبَ حَسَنان، وإن لم يكونا واجبَيْنِ، وإنما جهةُ وجوبِها عندهم كونُها لُطْفاً في فعل الواجباتِ العقليًةِ إذا كانت من فعلنا، وغيرَ لُطْفٍ لو اضْطررْنا إليها.
وفي الجملة فإنه ليس جهةُ وجوبِ الشيءِ كونَه حَسَناً فقَطْ، دونَ حصولِ وجهٍ زائدٍ على حُسْنِه يقتضي وجوبَه، وإن كان كونُ الفعلِ قبيحاً جهةً لوجوب تركِهِ على العالِمِ بقبحه، ووجوبِ تحريمِه على الله العالِمِ بذلك، ومن هو في حُكْمِ العالِمِ به.
قالوا: فأمًا ما لا صفةَ له في العقل تقتضي كونَه حسَناً واجباً أو قبيحاً من سائر الشَرْعِياتِ، فإنه يجوزُ نسخُه، وتبديلُ حكمِه، بحَسَبِ ما يعلمُ الله سبحانه من صلاح المكلفينَ على إيجابه تارةً، وتحريمِه أخرى، أو إباحتِه، أو الندبِ إليه، وقد دعاهم هذا القولُ إلى أنَ القديمَ سبحانه محكوم عليه في تكليفه لخَلْقِه، محجورٌ عليه وحاشاه من ذلك في تصاريفِه.
وبيانُ ذلك من مقالتهم: أنهم قالوا: يجب عليه إذا عَلِمَ المصلحةَ في رفع التَكليفِ أن يرفعَ التكليفَ عنهم، وإن لم يقَعْ فعله بحسَب ذلك، كان خارجاً عن نَمَطِ الحِكْمةِ وسبيلِ العدلِ إلى الجَوْر والسفَهَ -تعالى عن ذلك- وأنَه لا يجوز أن يَنهى عن شيءٍ مما أمَرَ به، إذا كانت مصلحة المكلفين متعلقةً به، ولا يأمرَ بشيءٍ يكون تركة مصلحةً لهم، فصارت أفعاله وشرائعة تحت حَجْرِ مصالحِ خَلْقِه، وهذا مستوفىً في أصول الدَينِ، وليس الإِشباع فيه لَيقاً بهذا الكتاب، وإنما نذكر شَذَراتٍ ئبْنَى عليها حكم أصولِ الفقه ليَتَحذًرَ الناظرَ في كُتبِهم من الوقوع في معتقداتهم، فأكثر الفقهاءِ لا خِبْرَةَ لهم بمثل هذا.