للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ابَحْتُك فِعْلَهَا وتركَها إن شئت. وجبَ أن يكونَ في ضِمْنِ هذا الخطاب: أنِ اعْرِفْ هذا الخطابَ لي، وأنني أنا المسقِطُ لفرضِ معرفتي عَنك. وهذا نفسُه امرٌ بمعرفته؛ لأنه إذا وجبَ أن يعلمَ أن هذا الأمرَ والنَسخَ واردٌ من قِبَلِ الله، فقد وجبَ عليه أن يَعرفَه، فيصيرُ ذلك في تقدير قولِه: كُنْ عارفاً بي وغير عارف، وهذا ممتنعٌ في التكليف.

وكذلك إذا قال له: اعلم أَنَّني على خلاف ما أنا عليه، أو أن بعضَ الحوادثِ على خلاف ما هو في ذاته عليه، كان تكليفاً لمَا لا يَصِحُّ فعلُه ولا تركهُ، وكذلك سبيلُ العلمِ بكلِّ مُسْتدَلٍّ عليه، معِ عَدمِ الدَّليلِ عليه على ما قد بَيَّنَّاه بن قبلُ، فأمَّا ما عدا ذلك، فإنه يجوز نَسخُ جميعِه، وتبديلُ حكمِه.

وزعمتِ المعتزلةُ: أن افعال المكلَّفِ على ضربَيْنِ:

أحدهما: لا يجوزُ دخولُ النَّسخِ عليه، ولا بُدَّ من ابتداء الأمرِ من الله به، أو ابتداءِ النَّهي عنه، وتبقيتِها ما دام المكلَّفُ حياً سليماً، وهو كلُّ فعلٍ له صفةٌ في العقل تقتضي كونه حَسَناً واجباً، وقبيحاً محرَّماً، لا يجوز تغييرُها، وخروجُه عنها، فالحَسَنُ الواجبُ من ذلك، نحوُ: معرفةِ الله عزَّ وجلَّ، ونحوُ: العدل والِإنصافِ، وشُكْرِ المنعِمِ، وأمثالِ ذلك. والقبيحُ، نحوُ: الجهل بالله، والظُّلمِ، وكُفرانِ النِّعْمَةِ، والكَذِبِ، وما يَجري مَجرى ذلك. قالوا: فهذا مما لا يجوزُ نسخُ حكمِه وتغييرُه؛ لأنه لا يتغيَّرعن صفته التي اقتضت حُسْنَه ووجوبَه، أو قبحَه وتحريمَه.

وزعمت المعتزلةُ أيضاً: أن معرفة الله عزَّ وجلَّ وإن كانت حسنةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>