تثبتُ للأفعال هذه الأحكامُ بالسمع فَقَطْ، وأنه لا يجبُ فَرْضٌ على أحد من جهة العقلِ، من معرفة اللهِ سبحانه إلى ما دونَ ذلك، فالتَكليفُ إذاً -لأجل ما قد بينَاه- لا يكونُ إلا سَمْعاً.
وثَبَتَ من أصلنا أيضاً أنه لا يجب على الله تكليفُ خلقِه، وبَعْثُه الرُّسُلَ إليهم، سواءٌ عَلِمَ أن لهم في ذلك المصلحةَ لجميعهم، أو لبعضهم دونَ بعضٍ، أو لا مصلحةَ لأحد منهم فيه.
فإذا ثَبَتَتْ هذه الجملة التي يُفارَقُ فيها القدريةُ ويخالفون؛ لم يَصْلُحْ للفقيه المعتقدِ في الأصل ضلالَتهم أن يَبْنِيَ الأمرَ في التَّكليف على ما قالوه من وجوب الاستصلاحَ للخَلْقِ أو لبعضهم على الله سبحانه، وجازَ لأجل هذا سقوطُ جميعِ العباداتِ عن جميع الخَلْق، وأن لا يبعثَ الله تعالى إلى أحد رسولاً، فيَسْقُطُ حينئذٍ عنهم فرض معرفتِه، وكلُّ ما عداها، ولا يُصِيبُ أحدٌ منهم إذ ذاك قبيحاً، ولا محرماً، ولا محظوراً، وكذلك فقد يجوزُ في حكمتِهِ سبحانه أن ينسخَ عنهم بالسمع الواردِ من جهته جميعَ ما تَعَبدهم به، وُيزيلَ فَرْضَه، وُيسقط عنهم تحريمَ كل ما حَرمَ عليهم فعلَه، وأن يجعلَ الواجبَ عليهم من ذلك محظوراً، والمحظورَ واجباً، غيرَ معرفتِه تعالى، وإيجابِ العِلْم بأنه على خِلافِ ما هو عليه من صفاته، وكذلك فلا يجوزُ تَعَبُّدُهم بَأن يعلموا أن بعضَ الأمورِ بخلاف حقيقتِه، وعلى ضِدَ صفتِه.
وإنما امتنعَ نهيُه عن معرفته؛ لأنه داخل في باب تكليفِ المحالِ؛ لأنه إذا قال: اعْلَمْ أنَني قد نهيتُك عن معرفتي، وحَظَرْت عليك فِعْلَها،