لعلمِه أنَّ التكليفَ يفسدُهم، كما فعلَ ذلكَ في الآحادِ، ممنْ (١) أَعْدمَه العقلَ، وسلَبَهُ الرأيَ، أو كما نَسَخَهُ من العباداتِ والعقوباتِ بحسَبِ الأصلحِ، وكما أماتَ بعضَ الآدميين قبلَ بلوغِه، فأعدمهم التكليفَ، وهم أُممٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى.
فصلٌ
شبَهُهُمْ
قالوا: إنَّ في الأمورِ الداخلةِ تحتَ التكاليفِ ما هو قبيحٌ لنفسهِ، فلا يحسُنُ إلا النهيُ عنه، ولا يختلفُ باختلافِ الأزمنةِ، ولا يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ، مثلُ الكذبِ، وكفرانِ نِعْمة المنعمِ، وعقوقِ الوالدينِ، والجهلِ بالله سبحانه، وإضافةِ ما لا يجوزُ عليه إليه، والظلم والبغي، وهو الإضرارُ المحضُ الذي لا يتعقَّبُهُ ولا يضامُّه نفعٌ يوفي عليه.
وفي التكليف ما هو حسنٌ في نفسهِ لأمرٍ يرجعُ إليه لا إلى غيرِهِ، كالإحسانِ، والعفوِ، وبرِّ الوالدينِ، ومعرفةِ الله -وهيَ الأصل-، وشكرِه على ما أنعمَ به، فهذا حَسَن لا يَحْسُنُ النهيُ عنه، بل يحسنُ الأمرُ بهِ، والحثُّ عليهِ.
فيُقالُ: أمَّا المعرفةُ من جميعِ ما ذكرتَ، فمحال نسخُها بالنهيِ عنها، لما بينا من أنَّه مستحيل، لأنه بالنهي للمكلف يقتضي إثباتَه وعرفانَه، ليُطاعَ فيما نَهى عَنْهُ، إذْ لا طاعةَ ولا قربةَ لمن لا يُعرَفُ.