للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزيدَ على صدقةِ زكاةِ مالي. ولو كان مأموراً لما حَسُنَ نفيُهُ، فإن كلَّ صلاةِ نَفْلٍ وصدقةِ نَفْل مندوب إليها.

فصل

في جمعَ الأجوبةِ عن شبههِم

أمَّا الحديثان، فالمرادُ بهما النفيُ لأمرِ الإِيجاب، بدليلِ أنه علل بالمشقةِ، وذلك لا يقعُ إلا بالِإيجابِ، وليس مَعنى أَن قوله: "أنا شافعٌ" من طريقِ الدِّينِ، لكن من طريقِ المشورةِ في أمرِ الدنيا، ووكَل ذلك إلى ما يراه من صلاح شأنِها في إجابتهِ، ومشاورتُه صلى الله عليه وسلم في أمورِ الدنيا، لا تكون ندباً، وقد خُولِفَ فيها، مثل نزوله بمنزلٍ أشير عليه بالرحيل عنه لما قيل له: أنزَلْتهُ بوحيٍ أم برأي؟ فقال: "بل برأيٍ"، فقيل له: ليس بمنزل (١)، وكذلك علَّل بأنه أبو أولادك، ولم يقل: يكون لك [من الأجرِ كذا] (٢) كما حَث على أعمالِ الطاعاتِ بالوعْدِ. وأما تسميته بالترك عاصياً، فإنه لم يَحْسُنِ الإِطلاقُ، لأنه يعطي الذمَ، وليس في مخالفةِ الندب ذمٌّ إلا على صفةٍ - وهو إذا أهملَه أوْ داومَ عليه (٣) أو تقيَّد- فيقُال: خالفَ أمرَ الله فيما نَدَبَهُ إليه، ولأنه يُقابله تسميتهُ -بإجماعِ المسلمين- بالفِعْلِ طائعاً، وممتثلًا، ولا طاعةَ إلا لأمرٍ، كما لا تصديقَ إلا لِخَبَرٍ، ولا إجابةَ إلا لدُعاءٍ.

وأما نَفْي الأمرِ، فلا نُسلّمه في سائرِ المندوباتِ، بل يقال: خالف


(١) يشير في ذلك إلى مشورة الحباب بن المنذر على رسول - صلى الله عليه وسلم - في معركة بدر، انظر سيرة ابن هشام: ٢/ ٢٧٢.
(٢) طمس في الأصل.
(٣) أي داوم على الندب ظن فيه الإيجاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>