للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في صفة مَن يجوز له التقليدُ

وهو الذي لا يعرفُ الأدلة، ولا طرقَ الأحكامِ التي ذكرناها في المستفتى، [و] منْ لم تكمُلْ فيه تلكَ الأحكامُ، جازَ لَه التقليدُ؛ فإنَّنا لوْ كلَّفناهُ النظرَ فيهِ، لشقَّ ذلك على الأمَّةِ، ولم يتسع الحالُ للمعايشِ والصَّنائع، ولذلك جعلَ الله تعالى طلبَ العلمِ فرضاً على الكفايةِ بقولِه تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] بعدَ قولِه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وما ذاكَ إلاّ لِما ذكرْنا، وقدْ قالَ صاحبُنا أحمدُ، وقدْ سُئلَ عنِ الرجُلِ يكونُ عندَه الكتبُ فيها الأحاديثُ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واختلافُ الصَّحابةِ، ولا يعرفُ صحَّةَ الأسانيدِ، ولا الصَّحيحَ منْ غيرِه: هلْ يأخذُ بِما شاءَ مِنْ ذلك؟ فقالَ: لا، بلْ يسألُ أهلَ العلمٍ. فقدْ جعلَه عاميّاً، ولا يجوِّزْ لَه الأخذَ بشيءٍ منْ ذلك، فكانَ ذلك تنبيهاً على أنّه لا يجوزُ له أنْ يفتيَ غيرَه؛ لأنَّ تقليدَ الكتبِ، وأقوالِ الصَّحابةِ، إذا لم يكنْ معَه معرفةٌ، غيرُ موثوقِ بها، فيصيرُ بذلك مقلِّداً لِما لا يجوزُ تقليدُه، وهو المخبرُ، والمخبرُ لا يقلدُ، كذلك الكتاب، ولهذا يمنعُ العاميُّ أنْ يعملَ بآي المصحفِ؛ فإنه لا يعرفُ النّاسخَ منَ المنسوخ، ولا الخاصَّ منَ العامِّ، ولا المصروفَ عنْ ظاهرِه بالدلالةِ إلى غير ما نطقتْ بِه الاَيةُ، مثل أنْ يسمعَ قولَه تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الي قوله {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١]، فيدخلَ بيتَ رجلٍ منْ معارفِه بغيرِ إذنِه، ويأَكلَ طعامَه، أو يُفْتِيَ بذلك، أو يسأله أَعمى، أو أعرجُ عنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>