وهذا ليسَ بمقامِ المجتهدينَ؛ لأَنَّ المجتهدَ لا يُقنعُ مِنهُ إلاَّ بأنْ يفتيَ بذلكَ، ويشيرَ إلى دليلِه فيهِ، فأمّا إنْ قالَ: لا أُخالفُ، ولا عندِي دليل للموافقةِ، فإنه لا يُقنعُ مِن الفقيهِ عندَهم بِمثلِ هذا، ويقنعُ مِن المتكلمينَ بمثل ذلكَ، فدلَّ على أنّهم كالعوامِّ.
ومنها: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أمتي لا تجتمعُ علي ضلالةٍ"، فَشَرطَ لنفي الضلالةِ إجماع أمتِه، فلا نحكمُ بنفي الضلالةِ معَ تخلّفِ هؤلاءِ العلماءِ، وهم مِنْ ساداتِ الأمَّةِ وخيارِهم.
ومنها: أنَّ لهم معرفةً بالأدلةِ والأماراتِ، ومراتبُ الأدلةِ صناعتُهم، ومعرفةُ ما بينَ الحجَّةِ والشُّبهةِ، وفي معرفةِ ذلكَ أُحوِجَ (١) المجتهدونَ إلى رأيِهم، واستخراج الصحيح مِن الفاسدِ، فلا يجوزُ أنْ يُجعَلَ قولُهم لغواً، ولذلكَ مَن عَرَفَ أصولَ الفرائضِ، ولم يعرفْ فروعَها، كانَ مِن أهلِ الفرائض معتدّاً بقولِه، كذلك مَن عرفَ أصولَ الدينِ والفقهِ ولم يعرفِ الفروعَ.