للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن كل صناعةٍ تُرَدُّ إلى مُصادَرَةٍ -أعني بالمصادرةِ: التبليغَ بها إلى صَدْرِ المعنى بنوع ظَن أو غَلَبَةِ ظَنٍّ-، وصنعةُ الكلامِ تُرَدُ إلى ضرورةٍ، أو ما يَجْرِي مَجْرى الضرورةِ في أنه يُعلمُ بأدْنى فِكْرةٍ.

فصل

وسؤالُ الجدَلِ على ضربين: محدَّدٌ، ومعبرٌ عن التحديدِ، والتَحديدُ يكونُ في اللَّفظِ والمعنى، وكذلك التًعبيرُ.

فإن قال السائلُ: هل الجزءُ يتجَزَّأُ إلى ما لا نهايةَ له، أم الحدوثُ يَدُل على نهايتِه؟ كان السؤالُ غيرَ محددٍ؛ لأنه خرجَ مَخْرَجَ الخَلْطِ بين سؤالين: فأحدهما: هل الجزءُ يتجزا إلى ما لا نهايةَ له؟ وهذا سؤالٌ قائمٌ بنفسه، وهل الحدوثُ يدل على نهايته؟ سؤال آخرُ قائمٌ بنفسه، وقد جعلَهما على صيغة سؤالٍ واحدٍ، فهو كمن قال في مسائل الفقهِ: هل الخَلُّ يُزيلُ النًجاسةَ؟ أم كونُه لا يَقْوى على رفع الحَدَثِ مانعاً من إزالته لحكم النًجَسِ؟ فهذان سؤالان.

فإن قال السائلُ: ما مذهبكُ في الجزءِ؛ فقال المجيبُ: إنه لا يتجزاُ؛ بدلالةِ أن ما فيه من الاجتماعِ يَصِح أن يَنْتَفِيَ. كان هذا الجوابُ غيرَ محدَّدٍ؛ لأنه سؤالٌ عن فُتْيا المذهب، والجوابُ عنه وعن دَلالةِ المذهب جوابٌ (١) على صيغةٍ واحدة؛ إذ كاَن على قَضِيةٍ واحدة، وإنما تحديدُهَ أن يقولَ في الجواب عنه: إنه لا يتجَزأُ. أو يقولَ: إنه يتجزَأُ. فأمَّا أن يُدْخِلَ في الِإخبارِ عن الفُتْيا الِإخبارَ عن الاستدلال، فليس بجواب مُحَقَّقٍ، كما لا يَخْلِطُ السؤالَ عن المذهب بالسؤال عن


(١) في الأصل: "جواباً"، والجادة ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>