والثاني غير مخاطبين إلا بالإيمان، وهو اختيار الشيخ أبي حامد رحمةُ الله عليه.
فصلٌ
في جمعِ الأدلةِ على أنّهم مخاطبونَ من طريقِ الآي من القرآن فمن ذلك: قولُه تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧)} [فصلت: ٦، ٧]، فتواعدهم على الكفرِ وترْكِ الزكاة وجحدِ البعث، ولا يتواعدُ إلا على فعلِ محظورٍ أو تْركِ واجب، فكانَ الظاهرُ مقابلةَ الوعيدِ لجميعِ ما عدَّد من الجرائم.
ومن ذلك: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٨ - ٦٩] فظاهرُ هذه الآيةِ مقابلةُ ما ذكره من العقابِ في مقابلةِ ما عدَّده من الذنوب والجرائم. لا سيما مع قوله:{يُضَاعَفْ لَهُ} فذِكرُ المضاعفةِ إنما وقَعَ لمكانِ مضاعفةِ جرائمهم جريمةً بعد جريمةٍ، لأنَّ قولهَ:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} يعودُ إلى الجُمل المتقدّمةِ كُلّها، وما ذِكرُ المضاعفةِ إلا مقابلة.
ومن ذلك: قولُه تعالىِ في أهل الجنة يتساءلون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)} [المدثر: ٤٢،٤٣، ٤٤،٤٥، ٤٦]، وهذا يدُلّ على أنّهم يؤاخذونَ بتركِ الإيمانِ وتركِ العباداتِ المذكورةِ.