للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمةٍ تقتضي المذهبَ فإنها لا تخلو من أن تكونً حجةً أو شبهةً، وكلُّ اقتضاءٍ يسلمُ من المناقضةِ فهوعلى حجةٍ؛ من قِبَلِ أنه لو سَلِمَ من المناقضةِ وهو شبهةٌ، لم يكن سبيلٌ إلى حلِّ تلك الشبهةِ، وليس الأمر كذلك؛ إذ كل شبهةٍ فلأهلِ الاستدلالِ سبيلٌ إلى حَلِّها؛ إذ لو لمِ يكن لهم سبيلٌ إلى حلِّها؛ لكان المبطِلُ والمحق يقفان فيها مَوْقِفاً واحداً، ولأن الذي يدلُّ على نقيضِ ما يدعو إليه من المذهب يَقدحُ فيها، وُيؤثِّرُ في حَلِّها؛ من حيثُ لا بُد من أن يكونَ إذا صحَّ الَمذهبُ فسدَ نقيضُه، وإذا فسَدَ صَحَّ نقيضه، وهذا مطَرِدٌ في كلِّ مذهبٍ.

والشُبهةُ: مقدِّمةٌ لها شهادةٌ بالتخيلِ لها في نفسها أو شهادتِها دون الحقيقةِ (١)، وهي في المثال شخصٌ يُشبهُ زيداً، أو صورةٌ تُشبهُ صورةً، أو صورةٌ تُنكَّرُ بغيرِها، مثلُ ما شُبهَ علىَ اليهود عيسى، فقالَ سبحانه: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: ١٥٧]، وقال: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: ٤١]، حتى قالت بعد التَنْكيرِ: {كَأنَّه هُوَ} [النمل: ٤٢]، وذلك أنها إن كانت كاذبةً في نفسها، فإنما تُتَخيَّلُ صحتُها بما يوجدُ من الاقتضاءِ فيها الذي لا توجدُ معه الثقةُ، لا قبلَ التَّأملِ ولا بعدَه، وإن كانت صادقةً في نفسها، فالتخيُّلُ إنما هو في شهادتها، مثلُ (٢) ما شُبِّهَ على موسى أن عِصيَّ السَّحَرَةِ تسعى.

فصل

وكلُّ حجةٍ فلا تخلو إذا وَردَت على النَفس من أن تظهرَ أنها


(١) انظر الصفحة (٣٢٨).
(٢) في الأصل: "ومثل".

<<  <  ج: ص:  >  >>