وهوَ انَّ تجويزَ ذلكَ لايفضي إلى ما ذكرْتَ؛ لأننا نحن لانجوِّز تفسيرَ القرآنِ إلاَّ بالنقلِ، وإذا لم نُجوِّزه إلا بالنقلِ المسندِ إلى المعصومِ، أَمِنا ذلكَ الذي ذكرْتَ منَ الذريعةِ، وليسَ كلُّ ما جوزناه على الله سبحانه استجزناهُ منْ نفوسِنا، كما أنَّنا نُجوِّزُ التحكمَ بالأحكامِ، ولا نتحكم نحن، ونجوزُ عليهِ أفعالاً لايظهرُ لنا وجهُ المصالح فيها، ولا نجوزُ لنفوسِنا أنْ نفعلَ فعلاً إلا بعدَ أنْ نحكمَهُ، ويتَمهَّدَ لنا وجهُ الصَّلاح فيهِ.
وأمّا العجمةُ التي نفاها، فإنما نفاها عمّا كلفَنا بهِ منَ الألفاظِ، فأمَّا مالا تكليفَ فيها، فلا، بدليلِ الحروفِ في أوائلِ السورِ التي أدهشتِ العربَ، حتى سكتوا عنِ اللغوِ، ولا يُدْهِشُ ويُعْجِبُ إلا ما لا يُعرف معناه.
فصل
يجوزُ نسخُ القياسِ في عصرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ طريقَ النسخ حاصلٌ، وهوَ الوحيُ، فإذا قال: حَرَّمْتُ المفاضلةَ في البُرِّ؛ لأنهُ مطعومٌ، كانَ ذلكَ نصاً منْهُ على الحكمِ، وعلى علتِهِ، وقد اختلفَ الناسُ؛ هل نصُّه على العلةِ إذنٌ منْهُ في القياسِ، أمْ لا؟ على مذهبينِ.
فإنْ كانَ هذا إذناً، أو أذنَ على القياسِ نصاً، فقاسوا الأَرزَّ على البُرِّ، فعادَ، وقالَ بعدَ ذلكَ: بيعوا الأرزَّ بالأَرُزِّ متفاضلاً.