فمنها: أنَّ القائلين بالعموم، وهم الذي يُتصوّر معهم الخلاف، قد علموا أن قوله تعالى:{خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر ٦٢]، ظاهره في اللغة العموم، وليس في اللغة مايخصّ، وكذلك قوله:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ}[المائدة: ١٢٠]، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)} [فصلت: ٥٤]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧]، {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ: ٢٨]، إنَما دلّت العقولُ على أنَه لا تدخلُ تحتَ ذلك صفاتُ اللهِ سبحانَه، ولا يدخلُ تحتَ الرحمةِ في إرسالِه - صلى الله عليه وسلم - أبو لهبٍ وأبو جهلٍ، وإنَّما كان رحمةً لمن صدقه وآمنَ به.
ومنها: أنَه إذا جازَ صرفُ الكلامِ عن ظاهرِه إلى غيرِ الظاهرِ، مثلُ صرفِه عن الحقيقةِ إلى المجازِ بدلالةِ العقلِ، جازَ تخصيصُ العمومِ بدلالةِ العقلِ، مثلُ قوله:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}[البقرة: ٩٣]، ومثل قوله:{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ}[مريم: ٣٤]، والعِجلُ لا يدخلُ القلوبَ بذاتِه، لكنْ تقديرُه: حُبُّ العجلِ، والآدميُّ لا يكونُ قولاً الله سبحانَه، إنَّما يكونُ بكلمةِ اللهِ، أو يكونُ قائلاً قولَ اللهِ، وكلمةَ الحقِ، فلا فرقَ بينَ الظاهرِ والعمومِ، ولا بينَ الخصوصِ والمجازِ.
ومنها: أنَّ دلالةَ العقلِ دلالةٌ تؤدي إلى العلمِ، فجازَ التخصيصُ بها، كالكتابِ والسنةِ والإجماعِ.
فصل
يجمع شُبهات المخالف
فمنها: أنْ قالوا: إنَ دلالةَ العقلِ سابقةٌ للألفاظِ والصيغ المقتضية للعمومِ، ومحالٌ أن تتقدّمَ دلالةُ التخصيصِ على اللفظِ المخصوصِ، كما أنَه يستحيلُ أن تتقدَّمَ