بذلك، فإنَّنا لا نجدُ في نفوسِنا شكاً ولا ارتياباً بصحةِ الخبرِ، وصدقِ المخبرِ بذلك، ومن جحدَ ذلكَ، خرجَ من حَيِّزِ المناظرةِ إلى المكابرة.
فصلٌ
في الأجوبة عن شبههم
أما التعلقُ بالآياتِ، والمنعِ من قفوه ما ليسَ له به علمٌ، وذمِّ من اتبعَ الظنَّ، فالجوابُ عنه: أنه أرادَ: فيما طريقُه العلمُ، كالاعتقاداتِ الأصوليةِ، وما يتعلَّقُ بالله سبحانه، وما يجبُ له، وينفَى عنه، صرفاً للآية عن ظاهرها -وهو العمومُ- إلى ما يعتبرُ فيه العلمُ، بدلائلنا التي ذكرناها.
على أنَّ من دلَّ على إيجابِ قبولِ خبر الواحدِ، وإن أوجبَ ظنّاً، فقد قفا ماله به علمٌ، ونحنُ نقطعُ ونعلمُ بوجوبِ قبولِ خبرِ الواحدِ، والعملِ به، فهو وإن أوجبَ ظناً، إلا أنَّ إيجابَ العملِ به أُوجبَ قطعاً.
والدليلُ على صحةِ تأويلنا، وتخصيصِ الآيةِ على ما ذكرنا: هو إجماعُنا على اقتفاءِ خبرِ المفتي بما صدرَ عن اجتهادِه، وعملُ الحكامِ بالبيناتِ عمل بما لا يقطعونَ به، لكن لما استندت البَيِّنةُ إلى دليلٍ قاطع، عملنا بها، وهو قوله سبحانه:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢]، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢]، كذلك هاهنا، قال:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة: ١٢٢].