مثالُ ذلك: قولُ المجيب إذا سُئِلَ عن جواز الرُّؤيَةِ على الله سبحانه بالأبصارِ؟ فقال: تجوزُ؛ لأنها لا تَسلُبُه معنىً، ولا تُحِلُّه معنىً.
فقيل له: فقل بجواز السمع لصوتٍ لذاته بالأذُنِ؛ لأن السمعَ له لا يَسلُبُه معنىً ولا يُحِلُّه معنىً. فقال: قال اللهُ تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] فأَوجبَ الرؤيةَ ولم يُوجب السمعَ، فقد انتقلَ من الاعتلال بجواز الرؤيةِ بالعقل إلى الاحتَجاج بدَلالةٍ من دلائل السمعِ.
فأمَّا الانتقالُ من سؤال إلى سؤال، فكقول السائلِ: ما الدليلُ على القول بجُزْءٍ لا يَتجزَّأ؟ فقال المجيبُ: إن الجسمَ إذا انتفى كلُّ اجتماع فيه، صار إلى جزءٍ لا يَتجزأُ. فقال السائلُ: وما حَدُّ لجسمِ؟ فقد انتقلَ إلى سؤالٍ آخرَ عن مَقالَةٍ اخرى، وإنما حكمُه أن يسألَ: وما الدليلُ على أنه يصحُّ أن يَنْتَفِيَ كلُّ اجتماعٍ في الجسم وهو موجودٌ؟ فيُطالَبُ من جهة "لِمَ"، أو من جهة الإِلزامِ.
فصل
في الانقطاع بالمُشاغَبةِ
اعلم أن الانقطاعَ بالمشاغبة: عجزٌ عن الاستتمام لِمَا تَضَمَّنَ منٍ نُصرةِ المقالةِ إلى الممانعة (١) بالإِيهام من غير حُجَّةٍ ولا شُبهةٍ، وحقُّ مثلِ هذا إذا وقَع أن يُفصَحَ فيه بأنه شَغْبٌ، وأن المُشغِّبَ لا يَستحِقُّ زيادةً.
(١) في الأصل: "المشانعة"، وصححناها من "شرح الكوكب المنير" ٤/ ٣٨١، فإنه نقل هذا المبحث عن ابن عقيل.