للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الرَّامي، إذا أصابَ بِنْتَه أو أَباهُ، لم يكن مُصيباً في موافقةِ الحقِّ بل مخطِئاً غايةَ الخطأ، مرتكباً أكبرَ الحرامِ، وهو مصيبٌ في باب الرمايةِ وبحكمِ الرُّماةِ، فكذلكَ الكذبُ. وتركُ الحقِ كتركِ مقتضَى الشرع في رمي الأب، والتوسعِ الذي هو موضوعُ صناعةِ الكلامِ، كالِإصَابةِ في الرمي، فبانَ تباعدُ ما بينهما.

فصل

واعلمْ أنَّ كلُّ مجازٍ فلا بُدَّ لهُ من حقيقةٍ، لأنَّ قولَنا: مجازٌ، مثلُ قولِنا: استعارةٌ، ولا بُدَّ للاستعارةِ من مستعارٍ منه، ولا بدّ للمغيرِ من مغيرٍ عليهِ ومُغَير عنهُ، كما لابدَّ للمقيسِ من مقيس عليه، ولابد للمشبهِ من مشبهٍ بهِ.

فلو لم يكنْ لنا بحر هو الحقيقةُ، وهو الماءُ الغامرُ الكثيرُ، لمَا كانَ لنا ما يُسمى بحراً بنوعِ عِلْمٍ أوجُودٍ أو سرعةٍ في سعي، ولو لم يكنْ لنا حيوانٌ هو أسد له اسمُ الأسدِ حقيقةً، لمَا أمكننا أن نتَجوَّزَ في الرجلِ المِقْدَامِ في الحربِ باسمِ أسدٍ.

فصل

فأمَّا الحقيقةُ فلا تفتقرُ إلى مجازٍ، بل لنا حقائقُ مستقلةٌ لايستفادُ منها ولايتجوزُ فيها، وهي ضربان من الأسماءِ:

وهي الأسماءُ العامةُ التي لا عمومَ فوقَها بل هي أعمُ العموم، مثلَ قولنا: معلومٌ ومجهولٌ، مظنونٌ ومسهوٌّ عنهُ، ومشكوكٌ فيهِ ومدلولٌ عليه، ومُخبَر عنهُ ومذكورٌ، فهو أوْقَعُ على المعدوم والموجودِ والقديم والمُحْدَثِ، فليسَ شيءٌ إلا ويَصِحُّ كونهُ معلوماً ومنَكوراً مخْبَراً، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>