للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أمراً وإن كان كلُ ذلك ندباً.

وقال الكرخيُ والرازي (١) من أصحابِ أبي حنيفةَ: لا يكون أمراً حقيقةً، وإنما حقيقةُ الأمرِ ما أُريدَ به الوجوبُ.

واختلفَ أصحابُ الشافعي، فمنهم من قال: إن المندوبَ حقيقةً أمرٌ، وبعضُهم قال: إنه ليس بأمرٍ.

فصل

يجمع الحُجَج والأدلةَ على كونهِ أمراً

من ذلك: أنَ الفاعلَ بحكمِ الندبِ مثل القائل لآمين، والفاعل للسواكِ، والمصلي سننَ الفرائضِ، يُسمى طائعاً، ومن خصائص الأمرِ ودلائلهِ كونُ امتثالِه طاعةً وانفصالِه عن المباحِ الذي لا يكونُ بفعلهِ طائعاً، ولا يكون فعلهُ طاعةً، وإنما يكون مأذوناً فيه، والفصلُ بينه وبين الِإباحةِ يشهد بأنَه مأمور به؛ لأنه يقال: أمرَه فأطاعَ، كما يقال: دعاهُ فأجابَ، ولا يقال: أباحَهُ فأطاعَ، ولا أذِنَ له فامتثلَ. وكذلك إذا فَعَلَ السيدُ ما استدعاه العبدُ منه، لا يقال: أطاعَهُ. لما كان سؤالاً ولم يكُ أمراً، وما تحققَ الفرقُ بين الندب والسؤالِ والِإباحةِ، إلا بكون المندوب مأموراً به، والإباحةُ والسؤالُ ليسا أمرين، وكما يقال: [تكلَّم]

فصَدَق أَوْ كَذَبَ، يقال: أُمرَ فأطاعَ أو عَصى. وتحقيقُ أنه إنما كان طاعةً وممتثلاً لتعلقِ الأمرِ به؛ لأنه محالٌ أن يكون طاعة لجنسهِ ونفسهِ أو صفةٍ من صفاتِ نفسِهِ، لصحةِ وجودِه ووجودِ مثلهِ، وما هو من جنسه


(١) انظر: "الفصول في الأصول": ٢/ ٨٢، و"فواتح الرحموت" ١/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>