ومحال أن يكون إنما صار طاعةً لحدوثهِ ووجودِه، فإنَ المباحَ حادثٌ وموجودٌ، وليس بطاعةٍ، ولا يجوزُ أن يكون طاعةً لكونه مراداً، لأنَ المباحَ مُرادٌ وليسٍ بطاعةٍ، وكذلك جميعُ الحوادثِ لا تحدث إلا بمرادِه، وليست طاعة، ولا يجوز أن يكون طاعةً لحصولِ العلمِ به والخبرِ عنه، لأنه قد يشركهُ في ذلك ما ليس بطاعةٍ من المباحِ والمحظورِ، وليس كلُ ذلك طاعةً.
ولا يجوزُ أن يكونَ إنما صار طاعةً لحصول الثواب ووَعدِ الله سبحانه في مُقابلَتهِ، لأنه لو أمرَ بفعلٍ ولم يضمنْ عليه ثواباً، لكان فعلُه طاعةً إذا وقع موافقاً للأمْرِ، لأن ضمانَ الثوابِ في مقابلتهِ إنما هو بفضلٍ وليس بمستحقٍ عليه سبحانه، وإنما ضمنه تْرغيباً في الطاعةِ، ولأنَه قد يُحبط المكلفُ ثوابَ طاعتِه بالكُفْرِ، ولا يخرجُ عن كونه بعد إحباطِ الثوابِ طاعةً، كما لا يَخْرجُ عن المخالفةِ بالمعصيةِ عن كونها معصيةً بمغفرتِها والعَفْو عنها، فثبت بهذا التقسيم: أنَه لا يجوز أن يكون طاعةً إلا لكونه مأموراً به، إذ لا شيءَ يمكنُ تعليلُ كونهِ طاعةً بشيءٍ سوى ما ذكرنا، هذا هُوَ الذي عليه أهلُ اللغةِ، ولذلك يُقال: فلان مطاعُ الأمرِ، ومعصي أمرُهُ، ويقولون: أمرَ فأطيع، وأمرَ فعُصي قال الله تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)} [طه: ٩٢, ٩٣].
وقال الشاعر:
ولو كنتَ ذا أمرٍ مطاعٍ لما بدا ... توانٍ من المأمورِ في حَالِ أَمْرِكا